Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

محمود الحجيري/ عرسال بين النخوة والبيئة الحاضنة

" بيجيبها من تم خبرا "، مثلٌ شعبي متداول في عرسال وقلة هم الذين يعرفون معناه، واذا لجأنا الى كبار السن لنستوضح عن المعنى وعن...



"بيجيبها من تم خبرا "، مثلٌ شعبي متداول في عرسال وقلة هم الذين يعرفون معناه، واذا لجأنا الى كبار السن لنستوضح عن المعنى وعن أساس هذا المثل فتأتي الاجابة بحكاية عن أحد الرعاة من ابناء البلدة كان يرعى قطيعه في الجرد فتعرّض لهجوم من عصابة لصوص وسلبوه قطيعه بالقوة المسلحة، فلجأ الى أهل البلدة يطلب المساعدة فلبَّوا النداء وسار معه اكثريةُ شباب البلدة مسافة حوالي 50 كلم الى داخل سوريا حيث لحقوا باللصوص ودارت معركة بين الطرفين في منطقة تسمى " خبرا " واسترجعوا القطيع.. ومنذ التاريخ انطلق هذا المثل .
وبعد الاحتلال السوري للبنان قبل ان يحصل النظام السوري على حق الإقامة من العرب ومن المجتمع الدولي باسم قوات الردع العربية، ذهبت فتاتان من عرسال الى أحد كروم العريش لجلب سلة عنب فصادفتهما دورية للجيش السوري وتعرضت للبنتين بالمضايقات والتحرش. وصل الخبر الى البلدة فخرج العشرات من الشباب ان لم نقل المئات واغلبهم بالسلاح الابيض وطوقوا الدورية وجردوا عناصرها من سلاحهم واشبعوهم ضربا وتنكيلا، وحُكيَ أن أحد الجنود السوريين قد قتل في حينه وبعد ذلك جرت حملة اعتقالات ومداهمات من قبل الجيش السوري ومخابراته طالت العديد من الشبان الذين شاركوا بهذا العمل , وبحكم وجود عرسال في جغرافيتها الحدودية وامتهان عدد كبير من ابنائها التهريب من وإلى سوريا، كانوا على احتكاك دائم مع الجيش السوري الموجود في لبنان وفي سوريا وكانت الرشوة هي وسيلة التعامل والتفاهم وفي كثيرٍ من الاحيان كان يحدث الصدام او سوء التفاهم، وكان الجيش السوري يلجأ الى إطلاق النار او الاعتقال وكانت ردة الفعل تاتي سريعة من اهالي عرسال بـ "هوجا" قروية عفوية ولهذا حصل العديد من المعارك بينهم وبين الجيش السوري، كانت تبدأ بهجوم قروي عنيف لفك أسر معتقل او للثأر لجريح او قتيل، وكانت تنتهي بحملة مداهمات واعتقالات تأديبية تطال العديد من الشباب التي تستمر لأسابيع أو لأشهرٍ، وتنتهي بدفع " المعلوم " لـ " المعلم " مع ما تيسر من انواع التعذيب, لكن كان الاعلام محظوراً عليه ان يتناول هذه المواضيع وكانت وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة لنقل الخبر غير متوفرة، وخلال هذه الاحداث الجانبية سقط العشرات من ابناء عرسال بين قتيل وجريح بالإضافة إلى المئات الذين "زاروا" المعتقلات السورية لفترات متفاوتة .
وأتى عام 1991 وليلةُ انطلاق شرارة حرب الخليج الثانية لانهاء احتلال النظام العراقي السابق للكويت حيث خرجت عرسال عن بكرة ابيها بمظاهرة تأييد للشعب العراقي، وكانت من الاصوات القليلة التي اخترقت جدار الصمت الذي رافق هذه الحرب على امتداد الوطن العربي. وكانت المفاجأة التي اذهلت المخابرات السورية هي خروج اعضاء ومسؤولي حزب البعث على رأس المظاهرة وهتافهم لنصرة الشعب العراقي رغم ان قائدهم العروبي والممانع حافظ الاسد كان قد أرسل لواءً من الجيش العربي السوري للمشاركة بتدمير العراق وتحت القيادة الامريكية مقابل اطلاق يده وتسليمه كافة الاراضي اللبنانية تحت حجة التخلص من ميشال عون الذي كان يفرض سلطته على قصر بعبدا واحياءَ من بيروت " الشرقية ". وفي نهاية المظاهرة تم استدعاء المنتسبين الى حزب البعث لينالوا جزائهم من التأنيب والبهدلة واتخذت قرارات تأديبية بحقهم من فصل وازاحة عن المسؤولية, وكل ذلك حصل دون تحضير مسبق لكنه استجابة لنداء وتحرك قامت به مجموعة من طلاب الثانوية .
وفي عام 1995 أتى أحد المواطنين بجرافته ليوسع زاوية طريق وما هي إلا ساعات حتى كان الطريق وعلى مسافة 7 كلم ورشة واحدة شاركت فيها عشرات الجرافات والآليات على مدى ايام طويلة، وقد ساهم بهذه الورشة او "الهوجا" القروية العفوية غالبية اهالي عرسال كلٌّ من موقعه وحسب إمكانياته من جهد جسدي إلى تقديم المعدات والآليات إلى جمع التبرعات وتقديم الخدمات. وبعد حوالي الأسبوعين من العمل الجماعي أُنجِز توسيعُ الطريق الذى ورثته الدولة اللبنانية من الانتداب الفرنسي وهو الشريان الوحيد الذي يربط هذه البلدة "المدينة " المهمشة بلبنان.

نستعرض هذه العيّنة من الاحداث والاخبار القروية علّها تساعدنا على فهم ما جرى في شباط 2012 من أحداث في جرد عرسال بين ابنائها والجيش وما نتج عنه من جرائم بجريمة واحدة بحق الجيش وما رافقها من ضجة اعلامية وتفسيرات وبناء معسكرات وحواضن عبر وسائل الاعلام وخاصة الناطقة منها باسم فريق 8 اذار , والتي تبدا الحكاية منذ اللحظة الاولى لدوي الانفجار الذي اودى بحياة الرئيس الحريري وما رافقه من ردة فعل عارمة من اهالي عرسال على هذه الجريمة حيث قدر عدد من شاركوا بـ 20 الف منهم في تشييع الرئيس الحريري وهذا لم يخرج من سياق الهوجا القروية وما رافقها من تحرشات واعتداءات في طريق عودتهم , وبدات وسائل الاعلام تشحن النفوس مذهبيا وطائفيا كل من موقعه , واتى تفجر الثورة السورية ليصب الزيت على النار وما رافقه من انقسام عامودي في لبنان بين مؤيد لما يجري فى سوريا ومعارض. وعرسال كان خيارها واضح منذ البداية وهذا ما سعّر الحملة الاعلامية ضدها، خاصة وأن جغرافيتها على تماس مباشر مع الحدود السورية. وبدات طلائع النازحين الهاربين من بطش النظام بالوصول اليها مع التحريض والتهديد لها ومضايقات ابنائها بتنقلاتهم منها واليها , وفي مطلع شباط وصلت وحدة من الجيش اللبناني تستقل سيارات مدنية وعسكرية الى الحي الجنوبي في عرسال لمداهمة احد المطلوبين " خالد حميد " فحصل تبادل لاطلاق النار بين الطرفين قتل على اثره المطلوب " حميد " فحملته الدورية معها وغادرت عرسال عبر طريق ترابي باتجاه مدينة بعلبك فصعد أحدهم ينادي عبر المسجد على الجهاد لان مجموعة من حزب الله اجتاحت عرسال وقتلت خالد حميد وهربت باتجاه رعيان فلبى النداء مئات الشباب وانطلقوا باتجاه طريق رعيان ولسوء حظ هذه الدورية كان طريق رعيان مقفل بالثلوج. وصلت الهوجا القروية الى مكان وجود الدورية وحصل ما حصل من اطلاق نار باتجاه الدورية قبل ان يصلوا إليهم ويتعرفوا على هويتهم، قُتٍل الرقيب زهرمان  بالرصاص وقِيل ان الرائد بشعلاني قتل دهسا من احدى سيارات الدورية بعد ان تعرضت لإطلاق نار من قبل الشباب الغاضبين. وكانت قد تسربت معلومات في حينه بأن مخابرات الجيش كانت قد استطلعت الطريق قبل تنفيذ المهمة لكن عاصفة ثلجية حلّت بين تاريخ الاستطلاع وتاريخ التنفيذ مما ادى الى فشلها باقفال هذا الطريق بالثلوج، وكانت العملية مادة دسمة لاعلام فريق 8 اذار وابواقه المسعورين ليشنوا حملة واسعة ضد بلدة عرسال وابنائها جلها كذب وافتراءات من نصب كمائن الى استخدام السلاح الابيض في تشويه الجثث الى التنكيل بالجرحى وصولا الى تصوير هذه البلدة وكانها بؤرة للارهاب وحاضنة له وخارج سلطة الدولة وكل هذا الكلام ليس تبريراً للجريمة التي حصلت ضد الجيش بقدر ما هو تصوير لما حصل.

ليست هناك تعليقات