![]() |
حسين الموزاني مع مواطن عراقي |
عندما رجعت إلى العراق في عام ألفين وأربعة وبعد قطيعة طويلة ومنفى دام أكثر من ستة وعشرين عاماً التقيت بابن خالتي خالد عزيز الذي أصبح بائعاً للخردة في مدينة الثورة أو مدينة صدّام أو مدينة الصدر، سيان، بالياء العراقية غير المشددة. فروى لي حكاية لم تحدث لمخلوق على وجه البسيطة منذ عهديّ آدم ونوح. قال: دخلتُ الحرب العراقية الإيرانية وأنا في سنّ الثامنة عشرة فجرحت جرحاً بليغاً كاد يذهب ببصري، فسرّحت من الخدمة العسكرية وأنا نصفّ حيّ. ثمّ اجتاح صدّام الكويت ودخلنا في حرب مع ثلاثين دولة وفرض علينا الحصار الشامل. وصار العراقيون أشد الناس فقراً في العالم. وأصبحت بائعاً للحديد العتيق، وكان المدخول اليومي لا يسدّ رمق الأسرة الصغيرة. وذات يوم وبينما كنت أجلس على صندوق طماطم، واضعاً قطع الحديد الصدئة على جرائد، ومنتظراً رحمة الله، جاء رجل يرتدي بدلة أنيقة وربطة عنق ويحمل حقيبة دبلوماسية. ووقف أمامي مباشرة، وقال إنني موظف رسمي، وأمثل الحزب والدولة، وبلا شكّ أنّك سمعت بمحاولة اغتيال الرفيق الأستاذ عدي، ابن القائد صدّام حسين؟ فقلت نعم، ونتمنى له الشفاء العاجل وعسى الله أن ينصر القائد صدام حسين والشعب العراقي. فردّ الرجل: لكن هذا الكلام النظري ليس كافياً، بل عليك أن تتبرع بإعلان سينشر في الجريدة الرسمية للحزب، وتشجب فيه محاولة الاغتيال الآثمة والمتورطين بها من العجم والصهاينة. فقلت له يا أخي أنا لا أملك شيئاً، ولا حتى ديناراً واحداً، فكيف أتبرع بإعلان لجريدة؟ فصار الرفيق يلحّ، ويقول إذا لم تكن تمتلك مبلغ صفحة كاملة فنصف صفحة على الأقل. ثمّ أخذ يقلل، ويقول إذاً ربع صفحة، فقلت له يأخي أنا شهيد نصف حيّ، وفقدت بصري في الحرب مع إيران، وليس لدي ما يسدّ رمق أطفالي، ولا أمتلك حتّى سروال داخلي! فنظر إليّ بدهشة وقال: كيف لا تمتلك سروالاً داخلياً في العراق العظيم؟ فقلت: نعم، إنني أرتدي الآن السروال الداخلي لزوجتي. ثم رفعت دشداشتي فظهر السروال الأحمر يلمع. فضحك الرفيق البعثي أخيراً، لكنه لم يكفّ عن الإلحاح، بل أشار إلى شخص يجلس إلى جانبي ويبيع البضاعة نفسها وقال: وهذا صاحبك هم ماعنده فلوس مثلك؟ فقلت له هذا ما عنده حتى سروال داخلي!
وذكرتني هذه الحكاية، وتعميماً للفائدة، بقصيدة الشاعر العراقي أبي فرعون الشاشي مثلما أوردها أبو حيّان التوحيدي في كتابه "الإمتاع والمؤانسة":
أنا أبو فرعون فاعرف كنيتي/ حلّ أبو عمرة وسط حجرتي/وحلّ نسج العنكبوت بُرمتي/ أعشب تنوري وقلّت حنطتي/ وحالف القمل زماناً لحيتي/ وصار تبّاني كفاف خصيتي/ أير حمار في حر أم عيشتي/
ولمن لا يعرف التبّان نقول إنّه السروال الداخلي في العراق قبل ألف عام.
قرصنة فايسبوكية