في التسعينيات من القرن الماضي كتبت العديد من المقالات عن الآشوريين ونشرت معظمها في الجرائد العربية التي تصدر من لندن مثل الحياة والشرق الأوسط والقدس العربي وكانت تتناول مواضيع تخص تاريخ الآشوريين في العراق الحديث مركزاً على بعض المفاهيم والأفكار السلبية والعدائية التي ترسبت في العقلية العراقية تجاه الأقليات بشكل عام وعن الآشوريين بشكل خاص. طرحت في هذه المقالات أفكار موضوعية بديلة فكان لها وبشهادة الكثير من غير الآشوريين تأثيرها العميق والإيجابي في النخبة العراقية نحو فهم تاريخ الآشوريين خاصة السياسي منه فهماً صحيحاً وموضوعياً. كان في حينها بعض من هذه المقالات والبحوث قد جمعت ونشرت في كتابين الأول تحت عنوان "ألآشوريون في السياسة والتاريخ المعاصر" من قبل إتحاد الأندية الآشورية في السويد عام 1997 و الثاني كتاب "محطات فكرية على طريق العمل القومي الآشوري – نظرة مقارنة بين الوطن والمهجر" من قبل مطبعة ألفا غرافيك في شيكاغو – الولايات المتحدة عام 2000. وبالنظر لطبع ونشر هذين الكتابين وغيرهما في المهجر وبسبب محدودية النسخ المطبوعة فإنها لم تصل إلى الكثير من أبناء شعبنا في العراق أو في سوريا المهتمين بالشأن القومي لكي يطلعوا عليها ويكتسبوا معارف في التاريخ الآشوري المعاصر وهي لا تتجاوز في كونها معارف مبدئية أولية تفيد بشكل خاص المبتدئين في الشأن القومي والسياسي خاصة بعد ظهور أحزاب وكتاب سياسيين وقوميين ما بعد عام 2003 و زوال النظام البعثي الدكتاتوري في العراق. إن أهمية إعادة نشر بعض من هذه المقالات مثل "قوات الليفي العراقية في الوثائق البريطانية العسكرية" تكمن في كون لايزال مثل هؤلاء المستجدين في الشأن القومي يعتمدون على المراجع والكتب الكلاسيكية الرسمية المتداولة في العراق وبالتالي يقعون في المستنقع الفاشي الذي غرق فيه الكثير من المفكرين والمؤرخيين العراقيين المعاديين إصلاً لكل مختلف ومغاير. فهؤلاء لا يزال يعتقدون، معتمدين على أساتذتهم في الفاشية والرجعية، بأن قوات الليفي كانت قاصرة على الآشوريين فحسب وإن هذه القوات كانت أداة طيعة بيد الإستعمار الإنكليزي في ضرب القوى الوطنية في العراق وهذا ما ينفيه هذا المقال وأمل أن يكون مفيداّ كما كان مفيداّ لعبض النخب العراقية في فهم حقيقة التاريخ السياسي للآشوريين في العراق وإزاحة التهم الباطلة والبشعة التي كانت توجه للآشوريين.
تهم باطلة وبشعة:
لا يوجد في قاموس العراق السياسي شتائم قبيحة وتهم شنيعة وجهت إلى شعب أو قومية أو جماعة أو منظمة أو حزب أكثر مما وجهت إلى الآشوريين في العراق. فلا أجانب الحقيقة في القول بأن معظم الأدب السياسي العراقي أبان مرحلة تأسيس دولة العراق عام 1921 وحتى إلى فترة قريبة لا يخلو من شتيمة ظالمة وتهمة باطلة وجهت إلى الآشوريين رغم الدور الإيجابي الذي لعبوه في تأسيس كيانه السياسي وفي حماية حدوده الدولية ضد أطماع تركيا في إقتلاع ولاية الموصل من العراق وضمها إليها، وهي المسألة التي سنعالجها في موضوعنا القادم. وحتى أبرئ نفسي من التجني على الأدب السياسي العراقي وعلى المؤرخين العراقيين أود أن أشير القارئ اللبيب إلى كتابي المعنون "الآشوريون في الفكر العراقي المعاصر – دراسة مسألة في العقلية العراقية تجاه الأقليات" منشورات دار الساقي – بيروت – 2001، والذي أسردت فيه نماذج من هذه التهم والشتائم لكبار المفكرين والمؤرخين العراقيين. وإختصاراً نقول بأن أكثر التهم البشعة والجائرة الموجهة إلى الآشوريين هي تهمة الإنخراط في القوات البريطانية المعروفة بـ "الليفي" – وهي كلمة إنكليزية تعني "التجنيد" – والادعاء بأن هذه القوات أستخدمت في ضرب الحركة الوطنية العراقية وفي تحقيق مصالح الإستعمار البريطاني كما أستخدمت في أعمال التجسس وفي حماية قواعد بريطانيا العسكرية في العراق وغيرها من التلفيقات والنعرات البغيضة التي نعت بها الآشوريين وكان البعض من هؤلاء المؤرخين يفضلون أن يطلقوا على الآشوريين بـ "الطابور الخامس".
لا يوجد في قاموس العراق السياسي شتائم قبيحة وتهم شنيعة وجهت إلى شعب أو قومية أو جماعة أو منظمة أو حزب أكثر مما وجهت إلى الآشوريين في العراق. فلا أجانب الحقيقة في القول بأن معظم الأدب السياسي العراقي أبان مرحلة تأسيس دولة العراق عام 1921 وحتى إلى فترة قريبة لا يخلو من شتيمة ظالمة وتهمة باطلة وجهت إلى الآشوريين رغم الدور الإيجابي الذي لعبوه في تأسيس كيانه السياسي وفي حماية حدوده الدولية ضد أطماع تركيا في إقتلاع ولاية الموصل من العراق وضمها إليها، وهي المسألة التي سنعالجها في موضوعنا القادم. وحتى أبرئ نفسي من التجني على الأدب السياسي العراقي وعلى المؤرخين العراقيين أود أن أشير القارئ اللبيب إلى كتابي المعنون "الآشوريون في الفكر العراقي المعاصر – دراسة مسألة في العقلية العراقية تجاه الأقليات" منشورات دار الساقي – بيروت – 2001، والذي أسردت فيه نماذج من هذه التهم والشتائم لكبار المفكرين والمؤرخين العراقيين. وإختصاراً نقول بأن أكثر التهم البشعة والجائرة الموجهة إلى الآشوريين هي تهمة الإنخراط في القوات البريطانية المعروفة بـ "الليفي" – وهي كلمة إنكليزية تعني "التجنيد" – والادعاء بأن هذه القوات أستخدمت في ضرب الحركة الوطنية العراقية وفي تحقيق مصالح الإستعمار البريطاني كما أستخدمت في أعمال التجسس وفي حماية قواعد بريطانيا العسكرية في العراق وغيرها من التلفيقات والنعرات البغيضة التي نعت بها الآشوريين وكان البعض من هؤلاء المؤرخين يفضلون أن يطلقوا على الآشوريين بـ "الطابور الخامس".
حقيقة قوات الليفي العراقية:
في الكثير من المناسبات بحثت هذا الموضوع بشكل مفصل وأكدت في القول بأن هذه القوات لم تكن إطلاقاً قاصرة على الآشوريين وحدهم، بل شملت بالدرجة الأولى العرب والكورد والتركمان وحتى اليزيديين والفرس ثم بعد ذلك على الآشوريين. قد تكون مشاعري العاطفية وأحاسيسي الشخصية، والتي تحترق جمراً على الغبن المأساوي الذي حاول خنق الحق الآشوري في بيت أباءه وأجداده، قد تسربت إلى الموضوعية التي أعتمدها دائماُ في البحث في المسائل الحساسة والخطيرة في التاريخ الآشوري المعاصر وعلاقته بالتاريخ العراقي السياسي. غير إن هذه المرة سأحاول التجرد من المشاعر الشخصية وسأعتمد في الكشف عن جوانب عديدة في طبيعة قوات الليفي العراقية التي أسسها الإنكليز في العراق إذ سنعتمد على بعض من الوثائق البريطانية العسكرية التي تناولت هذه المسألة تناولاً مفصلاً ويومياُ ودقيقاً لبداية تأسيس قوات الليفي وعددها وتدريباتها وطبيعة مهماتها العسكرية وغير العسكرية وتكوينها الأثني والإداري والمشاكل السياسية والإجتماعية التي كانت تواجهها الإدارة البريطانية في إستخدام هذه القوات في العراق. وبالرغم من إدراكنا المسبق لطبيعة هذه الوثائق التي كتبت من قبل أعضاء في المؤسسة العسكرية البريطانية إلا إنها وبشهادة معظم الباحثين والمؤرخين تعتبر وثائق ومستندات تعكس حقائق موضوعية دقيقة ومبنية على الوقائع وأرقام وإحصائيات قلما نجد مثيل لها تناولت تلك المرحلة كما تناولتها هذه الوثائق. هناك مجموعة ضخمة من هذه الوثائق التي كتبها كبار ضباط الجيش البريطاني العامل في العراق حينذاك، بعضها بقيت كأوراق منظمة على شكل تقارير عسكرية حفظت في مركز الوثائق البريطانية في لندن، وهو أغنى وأكبر مركز في العالم للوثائق الخاصة بالعراق، وبعض الآخر من هذه التقارير والبحوث جمعت وطبعت على شكل كراريس ومذكرات حفظت في مكتبة المتحف البريطاني (حاليا المكتبة البريطانية مستقلة عن المتحف البريطاني)، ومن أهم هذه التقارير العسكرية والمذكرات التي طبعت سواء على شكل كتاب أو كراس أو مجلد نذكر بعض منها. الوثائق البريطانية العسكرية:
أولاً – كتاب قوات الليفي العراقية 1915 -1932 :(Iraqi Levies)وهو كتاب جمع محتوياته العميد جي. كلبرت براون وطبعه المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن عام 1932 وأهم ما جاء فيه:
في عام 1915 قام الميجر جي.آي. أيدي من الجيش البريطاني في الهند، والذي أصبح فيما بعد ضابط المهمات الخاصة في فرقة المنتفك (الناصرية) البريطانية في بلاد ما بين النهرين، بتجنيد أربعين فارساً عربياً من القبائل المحيطة بمدينة الناصرية ومن أطراف الفرات وذلك لغرض القيام بخدمات تحت إشراف قسم الإستخبارات البريطانية في العراق. ومن هذا العدد الصغير نشأت تدريجياً قوة عسكرية والتي أطلق عليها، وبعد تسميات عديدة أسم "الليفي"، حيث وصل عددها في أيار (مايو) عام 1922 إلى 6199 فرداً، وهو التاريخ الذي بدأ فيه العدد بالتناقص بسبب النقل إلى الجيش العراقي الرسمي الذي بدأ تأسيسه في كانون الثاني عام 1921. فهذه القوات تغير تنظيمها من قوة خيالة صغيرة العدد إلى قوات متعددة المهمات والتسلح، ومن عناصر جميعهم عرب إلى عناصر مختلفة من العرب والكورد والتركمان واليزيديين والفرس وأخيرا قوات قاصرة على الآشوريين وعدد من الكورد. وفي عام 1919 وعندما صدرت الأوامر الإدارية واللوائح العسكرية المنظمة لقوات الليفي بدئ بتجنيد الكورد والتركمان وفي نهاية هذا العام كانت قوات الليفي أثنياً تتكون من:
العرب: معظمهم من سكان المدن ومن أبناء القبائل المتوطنة وعدد قليل من ضباط العرب الذين كانوا ضباطاً في الجيش العثماني أنظموا إلى هذه القوات.
الكورد: وهؤلاء شكلوا قوات الليفي في مدينتي السليمانية وأربيل، كما أنظموا إلى قوات الجندرمة في الموصل. الكركوكليون: وهم التركمان الذين أنظموا إلى قوات الليفي في الكوت وبعقوبة وكركوك.
ومن المهمات العسكرية التي كانت تقوم بها هذه القوات تقديم الخدمات العسكرية الإستكشافية والإستطلاعية للقوات البريطانية العاملة في المنطقة وفي مقاومة الشيوخ المتمردة أو الثائرة وإخضاع القبائل للطاعة حيث شاركوا في مقاومة الشيخ بدر. وأثناء إندلاع أعمال الشغب والتمرد (ويقصد الكاتب ثورة العشرين) أصبحت هذه القوات مخلصة وموالية لقادتها البريطانيين. وفي آب (أغسطس) من عام 1920 أنتشرت الفوضى نحو الشمال، ولم يكن ذلك إمتداداً لثورة الجنوب أكثر من كونه تحريضاً من الأتراك للكورد للقيام بتمرد ضد الإنكليز، فقامت قوات الليفي بسحق التمرد وبقى الكورد المجندون في الليفي مخلصين لقيادتهم البريطانية.
وفي مؤتمر القاهرة لعام 1920 كانت الحكومة البريطانية قد قررت الإبقاء على قوات الليفي وتطويرها بما يخدم مهمة التخفيف عن عبئ القوات البريطانية والهندية العاملة في العراق لحين تأسيس الجيش العراقي الوطني ومن ثم يحل محل قوات الليفي. بعد تأسيس هذا الجيش توقف تجنيد المسلمين من العرب والكورد والتركمان وبدأت التنقلات من قوات الليفي إلى الجيش العراقي الجديد وتعويضاً عن النقص الحاصل في عدد هذه القوات بدئ بتجنيد الآشوريين. وكان الآشوريون في تلك الفترة قد نظموا أنفسهم في قوات خاصة بهم للدفاع عن عوائلهم في مخيم بعقوبة (للاجئين)، كما وإن أغا بطرس (وهو قائد عسكري آشوري من الطائفة الكاثوليكية) كان قد بدأ بتجنيد الآشوريين لتحقيق أهدافه في تسوية المسألة الآشورية. ضمن هذه الظروف بدأت القوات البريطانية بتجنيد الآشوريين في الليفي. وبحلول عام 1923 كان الآشوريون يرفضون الإنضمام إلى قوات الليفي إلا أن الإنكليز أستطاعوا التأثير على بعض الزعماء الآشوريين وبالتالي أجبروا للإنضمام إليها.
أولاً – كتاب قوات الليفي العراقية 1915 -1932 :(Iraqi Levies)وهو كتاب جمع محتوياته العميد جي. كلبرت براون وطبعه المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن عام 1932 وأهم ما جاء فيه:
في عام 1915 قام الميجر جي.آي. أيدي من الجيش البريطاني في الهند، والذي أصبح فيما بعد ضابط المهمات الخاصة في فرقة المنتفك (الناصرية) البريطانية في بلاد ما بين النهرين، بتجنيد أربعين فارساً عربياً من القبائل المحيطة بمدينة الناصرية ومن أطراف الفرات وذلك لغرض القيام بخدمات تحت إشراف قسم الإستخبارات البريطانية في العراق. ومن هذا العدد الصغير نشأت تدريجياً قوة عسكرية والتي أطلق عليها، وبعد تسميات عديدة أسم "الليفي"، حيث وصل عددها في أيار (مايو) عام 1922 إلى 6199 فرداً، وهو التاريخ الذي بدأ فيه العدد بالتناقص بسبب النقل إلى الجيش العراقي الرسمي الذي بدأ تأسيسه في كانون الثاني عام 1921. فهذه القوات تغير تنظيمها من قوة خيالة صغيرة العدد إلى قوات متعددة المهمات والتسلح، ومن عناصر جميعهم عرب إلى عناصر مختلفة من العرب والكورد والتركمان واليزيديين والفرس وأخيرا قوات قاصرة على الآشوريين وعدد من الكورد. وفي عام 1919 وعندما صدرت الأوامر الإدارية واللوائح العسكرية المنظمة لقوات الليفي بدئ بتجنيد الكورد والتركمان وفي نهاية هذا العام كانت قوات الليفي أثنياً تتكون من:
العرب: معظمهم من سكان المدن ومن أبناء القبائل المتوطنة وعدد قليل من ضباط العرب الذين كانوا ضباطاً في الجيش العثماني أنظموا إلى هذه القوات.
الكورد: وهؤلاء شكلوا قوات الليفي في مدينتي السليمانية وأربيل، كما أنظموا إلى قوات الجندرمة في الموصل. الكركوكليون: وهم التركمان الذين أنظموا إلى قوات الليفي في الكوت وبعقوبة وكركوك.
ومن المهمات العسكرية التي كانت تقوم بها هذه القوات تقديم الخدمات العسكرية الإستكشافية والإستطلاعية للقوات البريطانية العاملة في المنطقة وفي مقاومة الشيوخ المتمردة أو الثائرة وإخضاع القبائل للطاعة حيث شاركوا في مقاومة الشيخ بدر. وأثناء إندلاع أعمال الشغب والتمرد (ويقصد الكاتب ثورة العشرين) أصبحت هذه القوات مخلصة وموالية لقادتها البريطانيين. وفي آب (أغسطس) من عام 1920 أنتشرت الفوضى نحو الشمال، ولم يكن ذلك إمتداداً لثورة الجنوب أكثر من كونه تحريضاً من الأتراك للكورد للقيام بتمرد ضد الإنكليز، فقامت قوات الليفي بسحق التمرد وبقى الكورد المجندون في الليفي مخلصين لقيادتهم البريطانية.
وفي مؤتمر القاهرة لعام 1920 كانت الحكومة البريطانية قد قررت الإبقاء على قوات الليفي وتطويرها بما يخدم مهمة التخفيف عن عبئ القوات البريطانية والهندية العاملة في العراق لحين تأسيس الجيش العراقي الوطني ومن ثم يحل محل قوات الليفي. بعد تأسيس هذا الجيش توقف تجنيد المسلمين من العرب والكورد والتركمان وبدأت التنقلات من قوات الليفي إلى الجيش العراقي الجديد وتعويضاً عن النقص الحاصل في عدد هذه القوات بدئ بتجنيد الآشوريين. وكان الآشوريون في تلك الفترة قد نظموا أنفسهم في قوات خاصة بهم للدفاع عن عوائلهم في مخيم بعقوبة (للاجئين)، كما وإن أغا بطرس (وهو قائد عسكري آشوري من الطائفة الكاثوليكية) كان قد بدأ بتجنيد الآشوريين لتحقيق أهدافه في تسوية المسألة الآشورية. ضمن هذه الظروف بدأت القوات البريطانية بتجنيد الآشوريين في الليفي. وبحلول عام 1923 كان الآشوريون يرفضون الإنضمام إلى قوات الليفي إلا أن الإنكليز أستطاعوا التأثير على بعض الزعماء الآشوريين وبالتالي أجبروا للإنضمام إليها.
ثانياً – تقرير قيادة لواء مشاة رقم 34:
(Report on the Arab and Kurds Levies. No. B.M.51 of 22 April, 1920, Headquarter, 34th Infantry Brigade).
وهو من التقارير المهمة عن قوات الليفي العربية والكوردية كتبته قيادة لواء مشاة رقم 34 والذي يتناول التفاصيل الدقيقة للتدريبات والمعونان والمهمات والأنظمة التي تخص قوات الليفي العربية في منطقة القرات والحلة والديوانية والنجف ... إلخ وبقدر تعلق الأمر بهيكل تنظيمها فقد كانت تتكون من:
1 – القوات الضاربة: وتضم فرقة الفرات الثانية المتكونة من ثمانية فصائل خيالة تحت إمرة الكابتن ماكويني ومقر قيادتها في الحلة. والفصيل كان يتكون من خمسة ضباط عرب و 102 مراتب مختلفة مع مجموعة من الإفراد الذين يقومون بمهمات التجسس وجمع المعلومات. وكانت هذه الفصائل تتمركز في الحلة و أبو صخير والديوانية ... إلخ. وتتلخص مهمات هذه القوات في: (أ) - قمع الشغب والإضطرابات والقيام بمهمات عسكرية محدودة. (ب) – تولي مهمات الخطوط الأمامية الإستكشافية والإستطلاعية والقيام بمهمات القوة الإحتياطية للقوات البريطانية في العمليات العسكرية الواسعة. (ج) – توفير الحماية والحراسة لخزينة الإدارة البريطانية في العراق ومرافقة الضابط السياسي البريطاني وحمايته.
2- قوات الشرطة المحلية: شملت مفارز من قوات الليفي العربية في مناطق الحلة وطويريج وكربلاء والنجف والديوانية وكانت مهمتها حماية الأمن والنظام وغيرها من المهمات التي كان يطلبها الضابط السياسي التابع لدائرة الإستخبارات البريطانية.
ثم يتابع التقرير بيان أسلوب التدريب والأجهزة والأسلحة والحيوانات المستخدمة في التنقل ومراتب الضباط الإنكليز والعرب، ثم يعكف على تفاصيل قوات الليفي في بعقوبة والتي كانت تتضمن العرب والكورد معاً. أما بالنسبة لقوات الليفي في السليمانية فكانت تتكون من الكورد وعددهم 250 شخصاً ومن التركمان وعددهم 30 شخصاً وكان عدد الضباط 16 كوردياً وتركمانيين وكلهم من الضباط السابقين في الجيش العثماني. ويذكر الضابط البريطاني المسؤول عن قوات الليفي في السليمانية بأن الكورد والتركمان كانوا يكرهون العرب ولا يرغبون العمل معهم. أما قوات الليفي في راوندوز فكانت تشمل على 200 فرد، منهم 110 كوردياً و 60 تركمانياً و 20 مسيحياً. وكان ضباط هذه الفرقة من الكورد والتركمان الذين عملوا سابقاً في الجيش العثماني. كان قوام قوة جندرمة الموصل متكونة من 795 شخصاً منهم 200 من كورد الجبال و 100 عرب من الجانب الأيمن لنهر دجلة و 280 من أهالي الموصل المسلمين و120 من المسحيين وكان عدد الضباط 22 ضابطاً عربياً من الضباط السابقين في الجيش العثماني. (من الملاحظ بأن كاتب التقرير لم يذكر أسم الآشوريين بل ذكر المسيحيين وهو ما يؤكد بأن مسيحيين من الطوائف الأخرى خاصة في قرى منطقة راوندوز ومدينة الموصل كانت تجند في قوات الليفي)
ثالثاً: تقرير الميجر سي. بويلي:
وهو أيضا من التقارير المهمة عن قوات الليفي العربية والكوردية للسنتين 1920 و 1921 كتبه الميجر سي. بويلي المفتش العام لقوات الليفي العربية والكردية:
(Administration Report of Arab and Kurdish Levies for the year 1920 – 1921, Baghdad. 1921 Major C. Boyle, Inspector General, Arab and Kurdish Levies)
يتناول الميجر بويل في تقريره واقع القوات العربية والكوردية وتقسيماتها وتدريباتها والمشاكل السياسية والإجتماعية التي كانت تواجهها. كما يذكر فيه العمليات العسكرية التي قامت بها أثناء فترة الإضطرابات التي عمت المناطق الجنوبية عام 1920 (يقصد ثورة العشرين) وكيفية بقاء هذه القوات مخلصة وموالية لقيادتها البريطانيين مما كان يسبب ذلك مشاكل كثيرة لأفرادها حيث كانوا منبوذين من قبل الناس الذين كانوا يشتمونهم ويدعونهم بالكفرة. وكان عمال المقاهي يرفضون تقديم الشاي أو القهوة لهم. أما عوائلهم فكانت معرضة للشتيمة والتحرش وفي بعض الأحيان للقتل أو التهديد بالقتل. وعقب تفاصيل دقيقة عن هذه القوات يختم الميجر بويلي تقريره بالقول بأن تاريخ السنة الأولى من قوات الليفي العربية والكوردية هو مفخرة للإدارة البريطانية في العراق وسجل قياسي للضباط البريطانيين في قيادة وإدارة قوات أسيوية حديثة التكوين ومحدودة التدريب.
(هناك تقارير أخرى تؤكد بأنه في عام 1923 كان المكون الأثني لقوات الليفي يتكون نصفهم من الآشوريين والنصف الآخر من الكورد إضافة إلى كتيبة من عرب الأهوار وعدد من التركمان) (كل ما ورد أعلاه مقتبس من الكتاب والتقارير المذكورة أعلاه ما عدا ما ورد بين قوسين).
(Report on the Arab and Kurds Levies. No. B.M.51 of 22 April, 1920, Headquarter, 34th Infantry Brigade).
وهو من التقارير المهمة عن قوات الليفي العربية والكوردية كتبته قيادة لواء مشاة رقم 34 والذي يتناول التفاصيل الدقيقة للتدريبات والمعونان والمهمات والأنظمة التي تخص قوات الليفي العربية في منطقة القرات والحلة والديوانية والنجف ... إلخ وبقدر تعلق الأمر بهيكل تنظيمها فقد كانت تتكون من:
1 – القوات الضاربة: وتضم فرقة الفرات الثانية المتكونة من ثمانية فصائل خيالة تحت إمرة الكابتن ماكويني ومقر قيادتها في الحلة. والفصيل كان يتكون من خمسة ضباط عرب و 102 مراتب مختلفة مع مجموعة من الإفراد الذين يقومون بمهمات التجسس وجمع المعلومات. وكانت هذه الفصائل تتمركز في الحلة و أبو صخير والديوانية ... إلخ. وتتلخص مهمات هذه القوات في: (أ) - قمع الشغب والإضطرابات والقيام بمهمات عسكرية محدودة. (ب) – تولي مهمات الخطوط الأمامية الإستكشافية والإستطلاعية والقيام بمهمات القوة الإحتياطية للقوات البريطانية في العمليات العسكرية الواسعة. (ج) – توفير الحماية والحراسة لخزينة الإدارة البريطانية في العراق ومرافقة الضابط السياسي البريطاني وحمايته.
2- قوات الشرطة المحلية: شملت مفارز من قوات الليفي العربية في مناطق الحلة وطويريج وكربلاء والنجف والديوانية وكانت مهمتها حماية الأمن والنظام وغيرها من المهمات التي كان يطلبها الضابط السياسي التابع لدائرة الإستخبارات البريطانية.
ثم يتابع التقرير بيان أسلوب التدريب والأجهزة والأسلحة والحيوانات المستخدمة في التنقل ومراتب الضباط الإنكليز والعرب، ثم يعكف على تفاصيل قوات الليفي في بعقوبة والتي كانت تتضمن العرب والكورد معاً. أما بالنسبة لقوات الليفي في السليمانية فكانت تتكون من الكورد وعددهم 250 شخصاً ومن التركمان وعددهم 30 شخصاً وكان عدد الضباط 16 كوردياً وتركمانيين وكلهم من الضباط السابقين في الجيش العثماني. ويذكر الضابط البريطاني المسؤول عن قوات الليفي في السليمانية بأن الكورد والتركمان كانوا يكرهون العرب ولا يرغبون العمل معهم. أما قوات الليفي في راوندوز فكانت تشمل على 200 فرد، منهم 110 كوردياً و 60 تركمانياً و 20 مسيحياً. وكان ضباط هذه الفرقة من الكورد والتركمان الذين عملوا سابقاً في الجيش العثماني. كان قوام قوة جندرمة الموصل متكونة من 795 شخصاً منهم 200 من كورد الجبال و 100 عرب من الجانب الأيمن لنهر دجلة و 280 من أهالي الموصل المسلمين و120 من المسحيين وكان عدد الضباط 22 ضابطاً عربياً من الضباط السابقين في الجيش العثماني. (من الملاحظ بأن كاتب التقرير لم يذكر أسم الآشوريين بل ذكر المسيحيين وهو ما يؤكد بأن مسيحيين من الطوائف الأخرى خاصة في قرى منطقة راوندوز ومدينة الموصل كانت تجند في قوات الليفي)
ثالثاً: تقرير الميجر سي. بويلي:
وهو أيضا من التقارير المهمة عن قوات الليفي العربية والكوردية للسنتين 1920 و 1921 كتبه الميجر سي. بويلي المفتش العام لقوات الليفي العربية والكردية:
(Administration Report of Arab and Kurdish Levies for the year 1920 – 1921, Baghdad. 1921 Major C. Boyle, Inspector General, Arab and Kurdish Levies)
يتناول الميجر بويل في تقريره واقع القوات العربية والكوردية وتقسيماتها وتدريباتها والمشاكل السياسية والإجتماعية التي كانت تواجهها. كما يذكر فيه العمليات العسكرية التي قامت بها أثناء فترة الإضطرابات التي عمت المناطق الجنوبية عام 1920 (يقصد ثورة العشرين) وكيفية بقاء هذه القوات مخلصة وموالية لقيادتها البريطانيين مما كان يسبب ذلك مشاكل كثيرة لأفرادها حيث كانوا منبوذين من قبل الناس الذين كانوا يشتمونهم ويدعونهم بالكفرة. وكان عمال المقاهي يرفضون تقديم الشاي أو القهوة لهم. أما عوائلهم فكانت معرضة للشتيمة والتحرش وفي بعض الأحيان للقتل أو التهديد بالقتل. وعقب تفاصيل دقيقة عن هذه القوات يختم الميجر بويلي تقريره بالقول بأن تاريخ السنة الأولى من قوات الليفي العربية والكوردية هو مفخرة للإدارة البريطانية في العراق وسجل قياسي للضباط البريطانيين في قيادة وإدارة قوات أسيوية حديثة التكوين ومحدودة التدريب.
(هناك تقارير أخرى تؤكد بأنه في عام 1923 كان المكون الأثني لقوات الليفي يتكون نصفهم من الآشوريين والنصف الآخر من الكورد إضافة إلى كتيبة من عرب الأهوار وعدد من التركمان) (كل ما ورد أعلاه مقتبس من الكتاب والتقارير المذكورة أعلاه ما عدا ما ورد بين قوسين).
رابعاً: رسالة د. يونك الجامعية عن قوات الليفي:
أخيرا أود أن أشير إلى رسالة جامعية مهمة قدمت في منتصف التسعينيات من القرن الماضي من قبل الدكتور يونك من بريطانيا إلى مدرسة لندن للدراسات الأفريقية والأسيوية التابعة لجامعة لندن (وهي أكبر وأهم مركز للدراسات عن المنطقة) تناولت قوات الليفي في العراق منذ تأسيسها حتى عام 1932. من المؤسف إنني لم أستطيع إقتناء نسخة منها لكونها محدودة التداول في حينها ولكن أطلعت على خلاصتها وعند لقائي بالدكتور يونك في جامعة لندن شرح لي مضمون الرسالة وتبين بأنه خدم كضابط في الجيش البريطاني في العراق حينذاك وكانت له صلة وإرتباط بقوات الليفي وببعض من ضباطها الآشوريين وأنه بذل جهداً كبيراً في البحث وإقتناء مصادر الرسالة رغم أنه كان وقت كتابة الرسالة قد تجاوز السبعين من العمر. في حينها تم دعوته إلى النادي الآشوري في لندن فألقى محاضرة عن رسالته هذه مؤكداً ما سبق وأن أكدته المصادر أعلاه في كون قوات الليفي شاملة العرب والكورد والتركمان واليزيديين والفرس ثم الآشوريين. كانت دهشته كبيره وفرحته عظيمة عندما ألتقى بشخصين في النادي كانوا قد خدموا في قوات الليفي وتم التعرف عليهم بعد أكثر من نصف قرن من الزمن. وأثناء محاضرته أعلن بأنه يحضر حالياً لإكمال أطروحته للدكتوراه عن نفس القوات للفترة من 1932 وحتى تاريخ حل هذه القوات في بداية الخمسينيات من القرن الماضي. وهي الفترة الحساسة والحرجة التي إجتاح العراق خلالها أزمات وحروب وإضطرابات وكانت قوات الليفي في تلك الفترة قاصرة على الآشوريين وعدد أقل من الكورد والعرب.
خامساً: قوات الليفي من إستقلال العراق حتى حلها:
منحت بريطانيا العراق إستقلاله في عام 1932 وفي الرابع من نيسان من عام 1955 وقعت بريطانيا مع العراق إتفاقاً على سحب القوات البريطانية من العراق. وفي الثاني من شهر مايس (أيار) من نفس العام حلت قوات الليفي وسلمت آخر قاعدة عسكرية في الحبانية إلى العراق. وقبل عام من حل قوات الليفي، إي في عام 1954 كانت عدد أفراد قوات الليفي يتكون من 1200 آشوري من أبناء الطوائف المشرقية والإنكليكانية والكلدانية ومنهم القائد البطل المرحوم توما توماس، و400 كوردي و 400 عربي. خلال الفترة المحصورة بين التاريخين إجتاحت العراق أحداث وإرهاصات سياسية آثرت بشكل عميق على مستقبل العراق السياسي. فالمسألة الآشورية التي كانت قد طغت على السطح السياسي العراقي والدولي بقيت بدون حل وما صاحب ذلك من نتائح مأساوية على الآشوريين تعاظمت في مذبحة سميل وأستمرت لسنوات طويلة من دون حل لقضتيهم القومية. وفي تلك الفترة تأثر الوضع في العراق بالحرب الكونية الثانية وإنجرفت النخبة الحاكمة مع التيارات الفاشية والنازية ودخلت الحرب إلى جانب دول المحور ضد الحلفاء منهم بريطانيا. فبعد منح بريطانيا العراق إستقلاله وإنضمامه إلى عصبة الأمم من دون ضمانات مؤكدة في حماية الأقليات ومنهم الآشوريين، بدأ الآشوريون يفقدون ثقتهم ببرطانيا لذلك بدأت إستقالات وترك جماعي لقوات الليفي ولم تعد هذه القوات ذات شأن إلا الجزء الباقي منها والذي أستخدم في حماية القواعد الجوية البريطانية في الحبانية والشعيبة.
عندما أندلعت الحرب الكونية الثانية تمكنت قيادة القوات البريطانية من إقناع بعض من الشخصيات الآشورية لإعادة تنظيم الآشوريين في قوات الليفي كقوة مقاتلة نظراً لحاجتهم إليهم في مقاومة التيارات الفاشية التي تغلغت في الحكومة العراقية بقيادة رشيد عالي الكيلاني الذي تمكن من السيطرة على السطلة وقاد إنقلاباً ضد السلطة الشرعية في مايس من عام 1941غير أن قوات الليفي شاركت، التي كانت معظمها من الآشوريين وبعض من الكورد واليزيديين، وبشكل فعال مع القوات البريطانية والحكومة الشرعية في إسقاط الإنقلاب وإعادة الشرعية إلى العراق. وأثناء العمليات العسكرية ساهمت قوات الليفي الآشورية مساهمة فعالة في مساعدة الحلفاء ودحر النازية. وأكد معظم المؤرخين بأن قوات الليفي هذه لعبت دوراً كبيرا في حماية خطوط الحلفاء العابرة عبر العراق وإيران إلى الإتحاد السوفياتي لغرض تقديم العون والمؤون للقوات السوفياتية المحاصرة من قبل قوات النازية. وفي حينها كانت بريطانيا قد شكلت فصيل مظلي من جنود وضباط الآشوريين ساهموا في تحرير اليونان وألبانيا من النازية كما حاربوا إلى جانب قوات الحلفاء في قبرص وفلسطين ولبنان ويؤكد المؤرخين بأن القوات الآشورية لعبت دوراً مهماً في دحر سيطرة قوات المحور في الشرق الأوسط فجرح الكثير منهم كما أستشهدوا في المعارك. وهناك في اليونان مقبرة تتضمن خمسة قبور لجنود آشوريين كتبت على حجر القبر أسمائهم بالإنكليزية والسريانية وتواريخ إستشهادهم في المعارك. بعد أن حلت قوات الليفي في عام 1955 منحت الفرصة للكثير من الضباط الآشوريين للإنضمام إلى الجيش العراقي، وفعلآ أنضم بعضهم وكانوا بشهادة قيادة الجيش العراقي من أحسن وأنشط وأخلص الضباط العراقيين وأسماؤهم معروفة لدى الكثير من أبناء هذا الجيل.
خاتمة وإستنتاج:
هذه بعض الوثائق البريطانية بهذا الشأن وليست كلها والتي تؤكد الحقيقة التاريخية الساطعة في كون قوات الليفي شاملة لجميع القوميات العراقية ولم تكن قاصرة إطلاقاً على الآشوريين فقط. قد أكون قد أسهبت بعض الشئ في تفاصيل وأرقام هذه التقارير والتي تبدو جافة ومملة إلا أن ذلك كان مفروضاً وضرورياً في إستكشاف الحقائق التي لا يزال الكثير من المؤرخين والسياسيين يتجاهلونها بقصد او بجهل ويزيفونها ثم يستغلونها في توجيه تهمة الخيانة إلى الآشوريين وإدانتهم بينما هي حقائق تاريخية تدينهم أكثر مما تدين الآشوريين. فهم يلاحظون القشة في عيون الآشوريين ولكنهم لا ينتبهون إلى الخشبة الكبير في عيونهم (مقتبس بتصر من أنجيل متى 3:7).
ولو حاولنا إستنتاج ما يمكن إستنتاجه وإستخلاصه من هذه الوثائق ومن ثم مقارنة المهمات التي قامت بها قوات الليفي العربية والكوردية والتركمانية مع تلك التي قامت بها قوات الليفي الآشورية من حيث نتائجها الوطنية لتوصلنا إلى حقائق قد تبدو ثقيلة ومؤثرة على المفاهيم السائدة في تاريخ العراق السياسي الحديث، ومن أبرز هذه الحقائق:
1)- أن الآشوريين في العراق لم يتعاونوا مع القوات البريطانية في ضرب الحركة الوطنية العراقية وبالأخص ثورة العشرية، بل على العكس من ذلك تماماً فإن قوات الليفي العربية والكوردية والتركمانية هي التي ساعدت القوات البريطانية وتعاونت معهم في قمع الثورة. فالآشوريون في تلك الفترة كانوا ضحية أعمال الشغب والنهب التي رافقت الثورة بإعتبارها ثورة "جهادية" ضد "الكفرة" المسيحيين سواء أكانوا أنكليز أم آشوريين، حيث كان الآشوريون منهمكون ومحتجزون في مخيم بعقوبة للاجئين لا سند لهم ولا قوة وحتى البنادق القديمة التي زودتهم بها الإدارة البريطانية للدفاع عن أرواحهم وأعراضهم لم تكن وافية أو مؤثرة في صد هجمات بعض القبائل من منطقة ديالي على المخيم المذكور.
2) – كنتيجة لقرارات مؤتمر القاهرة في تقرير مصير بلاد مابين النهرين، تأسست عام 1921 أول حكومة للدولة العراقية ونصب الملك فيصل الأول على عرشها وتأسس الجيش العراقي الرسمي فصاحب ذلك تقليص عدد قوات الليفي العربية والكوردية والتركمانية بسبب نقلهم إلى الجيش العراقي الحديث وتعويضاً عن النقص الذي حصل في قوات الليفي ونطراً لأهمية حاجة الإدارة البريطانية إلى قوات متمرسة في حروب الجبا لغرض ضمان الحدود الشمالية للدولة الفتية وحمايتها من أطماع وتهديدات تركيا في إقتلاع ولاية الموصل فقد بدأ رسمياً تجنيد الآشوريين ليتولوا هذه المهمة حيث إستطاعوا طرد القوات التركية في عام 1924 التي كانت كانت قد أحتلت أجزاء من المنطقة الشمالية لبلاد مابين النهرين ومنها مدينة راواندوز وأطراف مدينة العمادية. وتفاصيل مساهمة الآشورية في حماية حدود العراق الشمالية سنذكرها في المقال القادم عند الحديث عن حل مشكلة ولاية الموصل. هذا ناهيك عن دور قوات الليفي الآشورية في ضمان الأمن والإستقرار من جراء تمرد بعض شيوخ الكورد ضد السلطات العراقية والإنكليزية في الوقت الذي عجز جيش العراق الحديث التأسيس من القيام بهذه المهمة.
3) – تؤكد التقارير السالفة الذكر بأن الآشوريين لم يكونوا يرغبون في الإنطمام إلى قوات الليفي ولم يكن ذلك ممكناً إلا بعد تأثير وضغط الإنكليز على بعض الزعماء الآشوريين ومن ثم إجبارهم للإنضمام إليها. وحتى بالنسبة لهذه الحالة فإننا سنكون مخطئين جداً إذا قيمنا هذا التصرف لبعض الزعماء الآشوريين ولجزء من الشعب الآشوري في مسألة الإنضمام إلى قوات الليفي بمقاييس مستمدة من المفاهيم الفكرية والسياسية السائدة في هذه الأيام، بل من الضروري جداً فهمها وبشكلها الصحيح والحكم عليها ضمن ظروفها السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي كانت سائدة في تلك الفترة والتي فرضت على الآشوريين فرضاً من دون أن يكون لهم خياراً آخر. وعلى العموم يمكن تلخيص هذه الظروف بما يلي:
أ) – كان الآشوريون قد نهبت ممتلكاتهم وسلبت أراضيهم وطردوا من مناطقهم ولم تكن لهم مهنة غير الزراعة وتربية الحيوانات. من هنا شكل إنضمامهم إلى قوات الليفي كمصدر مالي لرزقهم ولضمان لقمة عيشهم في ظروف قاسية جداً خلفتها الحرب الكونية الأولى والسياسات الشوفينية التي مارستها السلطات الرسمية تجاههم.
ب) – خضوع بعض الزعماء الآشوريين إلى تأثيرات الإنكليز مسألة طبيعية في التعامل بين شعب صغير متشرد لا سند له ولا قوة وإمبراطورية قوية وذات نفوذ قوي وواسع. وخضوع ألآشوريين إلى مطالب زعمائهم الدينيين والعشائريين للإنضمام إلى قوات الليفي مسألة غير مستغربة أيضا في سياق فهم النظام الديني/العشائري الذي كان سائداً في المجتمع الآشوري.
ج) – إنسياق الآشوريين وخضوعهم لتأثيرات وضغوط الإنكليز يجب فهمه أيضاً ضمن مفهوم خيار أهون الشرور التي أحيطت بهم. فالشعب العراقي خاصة قادته السياسيين كان متأثراً جداً بالنزعة العثمانية في الفكر والسياسة والحكم تجاه المسيحيين بشكل عام والآشوريين بشكل خاص لذلك لم يكن أمام الآشوريين خيارات أخرى متاحة سيما وإن إعصار الحرب كان قد دمر كل البدائل ولم يبقى أمامهم سوى بديل التعلق بالطوق الإنكليزي للنجاة والوصول إلى شاطئ الأمان رغم شكوكهم الكبيرة بأمانة الإنكليز في تنفيذ الوعود التي قطعوها لهم وفعلاً تحققت تلك الشكوك عندما تركوهم بغرقون في بحر من الدمار أثناء مذبحة سميل التي أرتكبت بحقهم في آب من عام 1933.
ولكن مع كل هذه العوامل والظروف فإنه يجب أن لا يفهم أو يؤول بأن الآشوريين وقيادتهم كانوا معصومين من الأخطاء وأن نستمر في إلقاء اللوم على الإنكليز وعلى القدر ولعنته، بل على العكس من ذلك فإن القيادة الآشورية أرتكبت في تلك المرحلة أخطاء جسيمة وأثرت بشكل عميق على مسار تطور الحركة القومية الآشورية أنعكست جوانب منها في الأحداث المحيطة بمذبحة سميل والنتائج التي آلت إليها والتي إنسحبت آثارها السياسية والإجتماعية والفكرية وحتى النفسية على المجتمع الآشوري بشكل خاص وعلى المجتمع العراقي بشكل عام ونتائج البعض منها ما زالت محسوسة ومؤثرة حتى يومنا هذا.
أخيراً: اليوم يحاول الآشوريون بجميع تنظيماتهم السياسية إزالة الحواجز النفسية والسياسية التي خلفتها سلبيات التاريخ السياسي الحديث لنشؤ دولة العراق كضمان أولي وأساسي لوحدة الشعب العراقي بمختلف قومياته وأديانه وكركيزة جوهرية لإستقرار الأمن والسلام في العراق الموحد وهو الأمل الذي ينشده الآشوريون وغيرهم من الأقوام العراقية.
أخيرا أود أن أشير إلى رسالة جامعية مهمة قدمت في منتصف التسعينيات من القرن الماضي من قبل الدكتور يونك من بريطانيا إلى مدرسة لندن للدراسات الأفريقية والأسيوية التابعة لجامعة لندن (وهي أكبر وأهم مركز للدراسات عن المنطقة) تناولت قوات الليفي في العراق منذ تأسيسها حتى عام 1932. من المؤسف إنني لم أستطيع إقتناء نسخة منها لكونها محدودة التداول في حينها ولكن أطلعت على خلاصتها وعند لقائي بالدكتور يونك في جامعة لندن شرح لي مضمون الرسالة وتبين بأنه خدم كضابط في الجيش البريطاني في العراق حينذاك وكانت له صلة وإرتباط بقوات الليفي وببعض من ضباطها الآشوريين وأنه بذل جهداً كبيراً في البحث وإقتناء مصادر الرسالة رغم أنه كان وقت كتابة الرسالة قد تجاوز السبعين من العمر. في حينها تم دعوته إلى النادي الآشوري في لندن فألقى محاضرة عن رسالته هذه مؤكداً ما سبق وأن أكدته المصادر أعلاه في كون قوات الليفي شاملة العرب والكورد والتركمان واليزيديين والفرس ثم الآشوريين. كانت دهشته كبيره وفرحته عظيمة عندما ألتقى بشخصين في النادي كانوا قد خدموا في قوات الليفي وتم التعرف عليهم بعد أكثر من نصف قرن من الزمن. وأثناء محاضرته أعلن بأنه يحضر حالياً لإكمال أطروحته للدكتوراه عن نفس القوات للفترة من 1932 وحتى تاريخ حل هذه القوات في بداية الخمسينيات من القرن الماضي. وهي الفترة الحساسة والحرجة التي إجتاح العراق خلالها أزمات وحروب وإضطرابات وكانت قوات الليفي في تلك الفترة قاصرة على الآشوريين وعدد أقل من الكورد والعرب.
خامساً: قوات الليفي من إستقلال العراق حتى حلها:
منحت بريطانيا العراق إستقلاله في عام 1932 وفي الرابع من نيسان من عام 1955 وقعت بريطانيا مع العراق إتفاقاً على سحب القوات البريطانية من العراق. وفي الثاني من شهر مايس (أيار) من نفس العام حلت قوات الليفي وسلمت آخر قاعدة عسكرية في الحبانية إلى العراق. وقبل عام من حل قوات الليفي، إي في عام 1954 كانت عدد أفراد قوات الليفي يتكون من 1200 آشوري من أبناء الطوائف المشرقية والإنكليكانية والكلدانية ومنهم القائد البطل المرحوم توما توماس، و400 كوردي و 400 عربي. خلال الفترة المحصورة بين التاريخين إجتاحت العراق أحداث وإرهاصات سياسية آثرت بشكل عميق على مستقبل العراق السياسي. فالمسألة الآشورية التي كانت قد طغت على السطح السياسي العراقي والدولي بقيت بدون حل وما صاحب ذلك من نتائح مأساوية على الآشوريين تعاظمت في مذبحة سميل وأستمرت لسنوات طويلة من دون حل لقضتيهم القومية. وفي تلك الفترة تأثر الوضع في العراق بالحرب الكونية الثانية وإنجرفت النخبة الحاكمة مع التيارات الفاشية والنازية ودخلت الحرب إلى جانب دول المحور ضد الحلفاء منهم بريطانيا. فبعد منح بريطانيا العراق إستقلاله وإنضمامه إلى عصبة الأمم من دون ضمانات مؤكدة في حماية الأقليات ومنهم الآشوريين، بدأ الآشوريون يفقدون ثقتهم ببرطانيا لذلك بدأت إستقالات وترك جماعي لقوات الليفي ولم تعد هذه القوات ذات شأن إلا الجزء الباقي منها والذي أستخدم في حماية القواعد الجوية البريطانية في الحبانية والشعيبة.
عندما أندلعت الحرب الكونية الثانية تمكنت قيادة القوات البريطانية من إقناع بعض من الشخصيات الآشورية لإعادة تنظيم الآشوريين في قوات الليفي كقوة مقاتلة نظراً لحاجتهم إليهم في مقاومة التيارات الفاشية التي تغلغت في الحكومة العراقية بقيادة رشيد عالي الكيلاني الذي تمكن من السيطرة على السطلة وقاد إنقلاباً ضد السلطة الشرعية في مايس من عام 1941غير أن قوات الليفي شاركت، التي كانت معظمها من الآشوريين وبعض من الكورد واليزيديين، وبشكل فعال مع القوات البريطانية والحكومة الشرعية في إسقاط الإنقلاب وإعادة الشرعية إلى العراق. وأثناء العمليات العسكرية ساهمت قوات الليفي الآشورية مساهمة فعالة في مساعدة الحلفاء ودحر النازية. وأكد معظم المؤرخين بأن قوات الليفي هذه لعبت دوراً كبيرا في حماية خطوط الحلفاء العابرة عبر العراق وإيران إلى الإتحاد السوفياتي لغرض تقديم العون والمؤون للقوات السوفياتية المحاصرة من قبل قوات النازية. وفي حينها كانت بريطانيا قد شكلت فصيل مظلي من جنود وضباط الآشوريين ساهموا في تحرير اليونان وألبانيا من النازية كما حاربوا إلى جانب قوات الحلفاء في قبرص وفلسطين ولبنان ويؤكد المؤرخين بأن القوات الآشورية لعبت دوراً مهماً في دحر سيطرة قوات المحور في الشرق الأوسط فجرح الكثير منهم كما أستشهدوا في المعارك. وهناك في اليونان مقبرة تتضمن خمسة قبور لجنود آشوريين كتبت على حجر القبر أسمائهم بالإنكليزية والسريانية وتواريخ إستشهادهم في المعارك. بعد أن حلت قوات الليفي في عام 1955 منحت الفرصة للكثير من الضباط الآشوريين للإنضمام إلى الجيش العراقي، وفعلآ أنضم بعضهم وكانوا بشهادة قيادة الجيش العراقي من أحسن وأنشط وأخلص الضباط العراقيين وأسماؤهم معروفة لدى الكثير من أبناء هذا الجيل.
خاتمة وإستنتاج:
هذه بعض الوثائق البريطانية بهذا الشأن وليست كلها والتي تؤكد الحقيقة التاريخية الساطعة في كون قوات الليفي شاملة لجميع القوميات العراقية ولم تكن قاصرة إطلاقاً على الآشوريين فقط. قد أكون قد أسهبت بعض الشئ في تفاصيل وأرقام هذه التقارير والتي تبدو جافة ومملة إلا أن ذلك كان مفروضاً وضرورياً في إستكشاف الحقائق التي لا يزال الكثير من المؤرخين والسياسيين يتجاهلونها بقصد او بجهل ويزيفونها ثم يستغلونها في توجيه تهمة الخيانة إلى الآشوريين وإدانتهم بينما هي حقائق تاريخية تدينهم أكثر مما تدين الآشوريين. فهم يلاحظون القشة في عيون الآشوريين ولكنهم لا ينتبهون إلى الخشبة الكبير في عيونهم (مقتبس بتصر من أنجيل متى 3:7).
ولو حاولنا إستنتاج ما يمكن إستنتاجه وإستخلاصه من هذه الوثائق ومن ثم مقارنة المهمات التي قامت بها قوات الليفي العربية والكوردية والتركمانية مع تلك التي قامت بها قوات الليفي الآشورية من حيث نتائجها الوطنية لتوصلنا إلى حقائق قد تبدو ثقيلة ومؤثرة على المفاهيم السائدة في تاريخ العراق السياسي الحديث، ومن أبرز هذه الحقائق:
1)- أن الآشوريين في العراق لم يتعاونوا مع القوات البريطانية في ضرب الحركة الوطنية العراقية وبالأخص ثورة العشرية، بل على العكس من ذلك تماماً فإن قوات الليفي العربية والكوردية والتركمانية هي التي ساعدت القوات البريطانية وتعاونت معهم في قمع الثورة. فالآشوريون في تلك الفترة كانوا ضحية أعمال الشغب والنهب التي رافقت الثورة بإعتبارها ثورة "جهادية" ضد "الكفرة" المسيحيين سواء أكانوا أنكليز أم آشوريين، حيث كان الآشوريون منهمكون ومحتجزون في مخيم بعقوبة للاجئين لا سند لهم ولا قوة وحتى البنادق القديمة التي زودتهم بها الإدارة البريطانية للدفاع عن أرواحهم وأعراضهم لم تكن وافية أو مؤثرة في صد هجمات بعض القبائل من منطقة ديالي على المخيم المذكور.
2) – كنتيجة لقرارات مؤتمر القاهرة في تقرير مصير بلاد مابين النهرين، تأسست عام 1921 أول حكومة للدولة العراقية ونصب الملك فيصل الأول على عرشها وتأسس الجيش العراقي الرسمي فصاحب ذلك تقليص عدد قوات الليفي العربية والكوردية والتركمانية بسبب نقلهم إلى الجيش العراقي الحديث وتعويضاً عن النقص الذي حصل في قوات الليفي ونطراً لأهمية حاجة الإدارة البريطانية إلى قوات متمرسة في حروب الجبا لغرض ضمان الحدود الشمالية للدولة الفتية وحمايتها من أطماع وتهديدات تركيا في إقتلاع ولاية الموصل فقد بدأ رسمياً تجنيد الآشوريين ليتولوا هذه المهمة حيث إستطاعوا طرد القوات التركية في عام 1924 التي كانت كانت قد أحتلت أجزاء من المنطقة الشمالية لبلاد مابين النهرين ومنها مدينة راواندوز وأطراف مدينة العمادية. وتفاصيل مساهمة الآشورية في حماية حدود العراق الشمالية سنذكرها في المقال القادم عند الحديث عن حل مشكلة ولاية الموصل. هذا ناهيك عن دور قوات الليفي الآشورية في ضمان الأمن والإستقرار من جراء تمرد بعض شيوخ الكورد ضد السلطات العراقية والإنكليزية في الوقت الذي عجز جيش العراق الحديث التأسيس من القيام بهذه المهمة.
3) – تؤكد التقارير السالفة الذكر بأن الآشوريين لم يكونوا يرغبون في الإنطمام إلى قوات الليفي ولم يكن ذلك ممكناً إلا بعد تأثير وضغط الإنكليز على بعض الزعماء الآشوريين ومن ثم إجبارهم للإنضمام إليها. وحتى بالنسبة لهذه الحالة فإننا سنكون مخطئين جداً إذا قيمنا هذا التصرف لبعض الزعماء الآشوريين ولجزء من الشعب الآشوري في مسألة الإنضمام إلى قوات الليفي بمقاييس مستمدة من المفاهيم الفكرية والسياسية السائدة في هذه الأيام، بل من الضروري جداً فهمها وبشكلها الصحيح والحكم عليها ضمن ظروفها السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي كانت سائدة في تلك الفترة والتي فرضت على الآشوريين فرضاً من دون أن يكون لهم خياراً آخر. وعلى العموم يمكن تلخيص هذه الظروف بما يلي:
أ) – كان الآشوريون قد نهبت ممتلكاتهم وسلبت أراضيهم وطردوا من مناطقهم ولم تكن لهم مهنة غير الزراعة وتربية الحيوانات. من هنا شكل إنضمامهم إلى قوات الليفي كمصدر مالي لرزقهم ولضمان لقمة عيشهم في ظروف قاسية جداً خلفتها الحرب الكونية الأولى والسياسات الشوفينية التي مارستها السلطات الرسمية تجاههم.
ب) – خضوع بعض الزعماء الآشوريين إلى تأثيرات الإنكليز مسألة طبيعية في التعامل بين شعب صغير متشرد لا سند له ولا قوة وإمبراطورية قوية وذات نفوذ قوي وواسع. وخضوع ألآشوريين إلى مطالب زعمائهم الدينيين والعشائريين للإنضمام إلى قوات الليفي مسألة غير مستغربة أيضا في سياق فهم النظام الديني/العشائري الذي كان سائداً في المجتمع الآشوري.
ج) – إنسياق الآشوريين وخضوعهم لتأثيرات وضغوط الإنكليز يجب فهمه أيضاً ضمن مفهوم خيار أهون الشرور التي أحيطت بهم. فالشعب العراقي خاصة قادته السياسيين كان متأثراً جداً بالنزعة العثمانية في الفكر والسياسة والحكم تجاه المسيحيين بشكل عام والآشوريين بشكل خاص لذلك لم يكن أمام الآشوريين خيارات أخرى متاحة سيما وإن إعصار الحرب كان قد دمر كل البدائل ولم يبقى أمامهم سوى بديل التعلق بالطوق الإنكليزي للنجاة والوصول إلى شاطئ الأمان رغم شكوكهم الكبيرة بأمانة الإنكليز في تنفيذ الوعود التي قطعوها لهم وفعلاً تحققت تلك الشكوك عندما تركوهم بغرقون في بحر من الدمار أثناء مذبحة سميل التي أرتكبت بحقهم في آب من عام 1933.
ولكن مع كل هذه العوامل والظروف فإنه يجب أن لا يفهم أو يؤول بأن الآشوريين وقيادتهم كانوا معصومين من الأخطاء وأن نستمر في إلقاء اللوم على الإنكليز وعلى القدر ولعنته، بل على العكس من ذلك فإن القيادة الآشورية أرتكبت في تلك المرحلة أخطاء جسيمة وأثرت بشكل عميق على مسار تطور الحركة القومية الآشورية أنعكست جوانب منها في الأحداث المحيطة بمذبحة سميل والنتائج التي آلت إليها والتي إنسحبت آثارها السياسية والإجتماعية والفكرية وحتى النفسية على المجتمع الآشوري بشكل خاص وعلى المجتمع العراقي بشكل عام ونتائج البعض منها ما زالت محسوسة ومؤثرة حتى يومنا هذا.
أخيراً: اليوم يحاول الآشوريون بجميع تنظيماتهم السياسية إزالة الحواجز النفسية والسياسية التي خلفتها سلبيات التاريخ السياسي الحديث لنشؤ دولة العراق كضمان أولي وأساسي لوحدة الشعب العراقي بمختلف قومياته وأديانه وكركيزة جوهرية لإستقرار الأمن والسلام في العراق الموحد وهو الأمل الذي ينشده الآشوريون وغيرهم من الأقوام العراقية.