من الكتاب ومقدِّمته: يجمع بين مراجعة للذكرى وتدقيق في الوثيقة، ففي اللحظات التي يعاد فيها اختبار الإنسان، إرادة وخياراً وموقفاً، لا بد ...
من الكتاب ومقدِّمته:
يجمع بين مراجعة للذكرى وتدقيق في الوثيقة، ففي اللحظات التي يعاد فيها اختبار الإنسان، إرادة وخياراً وموقفاً، لا بد من التدقيق في الظلال البعيدة والمعقدة التي أودت بهذا الخيار أو الإرادة أو الموقف للاختبار تحت وطأتها، من هنا فإن أيام الحرب، وأيام نذرها، وحتى أيام تفاعلاتها التي لن تنتهي بسرعة، ستكون بالتأكيد المادة الحية لأية احتمالات قادمة في العراق الذي يعود مع بداية هذا القرن إلى عصر الكولونيالية الذي لم ينته يوماً لكنه يختار الآن أوضح صوره وأقدمها، الغزو المسلح بما يحمله من تدمير وخراب وموت...
تحدَّث جورج بوش عن لحظة الحقيقة بالنسبة للعالم، وأسمى حربه ( حرية العراق) وتحدث صدام عن وعد بالنصر، وأسماها (معركة الحواسم) والعراقي بينهما يبدو هو الضحية الأفصح وهو كبش الفداء للحرية المزعومة، أو للحسم الموعود، بينهما يحس العراقي كم هو غريب حقاً عن هذه التسميات!
وما بين ربيع الجنرال البريطاني ستانلي مود، قاهر الأتراك وفاتح العراق خلال الحرب العالمية الأولى، وربيع الجنرال الأميركي القادم إلى ( قلعة الأسود) ثمة أكثر من صلة ليس التوقيت الفصلي إلا واحداً من عناصرها المعبرة عن تماثلات عدة.
..........
يمر الحلاج في شوارع بغداد في يوم ربيعي، بل هو يوم الربيع الأول، وتحديداً في عيد النوروز، فيرى الناس يقودون الأكباش نحو القصابين من أجل ذبح الأضحية في اليوم الجديد، سأل الحلاج كمن يعرف لكنه يريد أن يذكر الآخرين بالحقيقية الغائبة عن بغداد وقتذاك: لماذا تقاد هذه الأكباش للذبح؟ فيجيبه نفرٌ من العامة: أنه النوروز، عندها يطلق الحلاج جملته التي أضعها عنواناً لكتابي: ونحن متى ننورز؟
بعدها سار الحلاج لمصيره المعروف، ليكون له نوروزه البغدادي....ليست العودة لنوروز الحلاج وربيعه الدموي من قبيل الاحتجاج الأصولي بالماضي والتذكير بعظات الماضي ودروسه، ليس هذا البتة، بل لأن الماضي على ما يبدو يعيد نفسه فعلاً على طريقة تفسير ماركس لهذه المقولة طارحين الملهاة والمأساة عنها كطرفين نوعيين ننتظر المسافة بينهما فحسب، أو لعلنا نستطيع أيضاً أن نستعين بالشعر هذه المرة ونتذكر الفتى القتيل طرفة بن العبد:
كلهم أروغ من ثعلب ما أشبه الليلة بالبارحة..
يجمع بين مراجعة للذكرى وتدقيق في الوثيقة، ففي اللحظات التي يعاد فيها اختبار الإنسان، إرادة وخياراً وموقفاً، لا بد من التدقيق في الظلال البعيدة والمعقدة التي أودت بهذا الخيار أو الإرادة أو الموقف للاختبار تحت وطأتها، من هنا فإن أيام الحرب، وأيام نذرها، وحتى أيام تفاعلاتها التي لن تنتهي بسرعة، ستكون بالتأكيد المادة الحية لأية احتمالات قادمة في العراق الذي يعود مع بداية هذا القرن إلى عصر الكولونيالية الذي لم ينته يوماً لكنه يختار الآن أوضح صوره وأقدمها، الغزو المسلح بما يحمله من تدمير وخراب وموت...
تحدَّث جورج بوش عن لحظة الحقيقة بالنسبة للعالم، وأسمى حربه ( حرية العراق) وتحدث صدام عن وعد بالنصر، وأسماها (معركة الحواسم) والعراقي بينهما يبدو هو الضحية الأفصح وهو كبش الفداء للحرية المزعومة، أو للحسم الموعود، بينهما يحس العراقي كم هو غريب حقاً عن هذه التسميات!
وما بين ربيع الجنرال البريطاني ستانلي مود، قاهر الأتراك وفاتح العراق خلال الحرب العالمية الأولى، وربيع الجنرال الأميركي القادم إلى ( قلعة الأسود) ثمة أكثر من صلة ليس التوقيت الفصلي إلا واحداً من عناصرها المعبرة عن تماثلات عدة.
..........
يمر الحلاج في شوارع بغداد في يوم ربيعي، بل هو يوم الربيع الأول، وتحديداً في عيد النوروز، فيرى الناس يقودون الأكباش نحو القصابين من أجل ذبح الأضحية في اليوم الجديد، سأل الحلاج كمن يعرف لكنه يريد أن يذكر الآخرين بالحقيقية الغائبة عن بغداد وقتذاك: لماذا تقاد هذه الأكباش للذبح؟ فيجيبه نفرٌ من العامة: أنه النوروز، عندها يطلق الحلاج جملته التي أضعها عنواناً لكتابي: ونحن متى ننورز؟
بعدها سار الحلاج لمصيره المعروف، ليكون له نوروزه البغدادي....ليست العودة لنوروز الحلاج وربيعه الدموي من قبيل الاحتجاج الأصولي بالماضي والتذكير بعظات الماضي ودروسه، ليس هذا البتة، بل لأن الماضي على ما يبدو يعيد نفسه فعلاً على طريقة تفسير ماركس لهذه المقولة طارحين الملهاة والمأساة عنها كطرفين نوعيين ننتظر المسافة بينهما فحسب، أو لعلنا نستطيع أيضاً أن نستعين بالشعر هذه المرة ونتذكر الفتى القتيل طرفة بن العبد:
كلهم أروغ من ثعلب ما أشبه الليلة بالبارحة..
ليست هناك تعليقات