Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

زهير دبسl خليل وكلب الست!

بينما كان رامي الحلاق يعالج شعر خليل، راح الأخير يسرد بنبرة هادئة وبشكل متقطّع ودون أي انفعال، ما حصل معه ظهيرة ذلك النهار، والذي أطاح ...


بينما كان رامي الحلاق يعالج شعر خليل، راح الأخير يسرد بنبرة هادئة وبشكل متقطّع ودون أي انفعال، ما حصل معه ظهيرة ذلك النهار، والذي أطاح بفرصة العمل الوحيدة آنذاك التي سنحت له بعدما أمضى أيّاماً، لا بل أسابيع يبحث عنها دون جدوى، إلى أن اهتدى إليها، وهي لم تكن تفي بالغرض المطلوب، لكنّها كانت كافية لأن تُعيله هو وزوجته الحامل بالحدّ الأدنى من متطلّبات الحياة.
خليل الذي كان يروي في صالون الحلاقة ما حصل معه، كانت تقاطعه قهقهات الشباب وتهكّماتهم الساخرة عليه، فيتوقّف عن الحديث ثمّ يعود ويتابع ما حصل معه، لكن لا يلبث الشباب أن يعودوا لمقاطعته مجدّداً سائلين مستفسرين عن تفاصيل معيّنة وسط اندهاشهم وتعالي ضحكاتهم، قبل أن يُكمل حديثه خاتماً بأنّ للحادثة تداعيات لم تنته ذيولها بعد.
خليل الذي لوّحت وجهه أشعّة الشمس وزادت من سحنته السمراء سماراً، ترك المدرسة باكراً وأمضى فترة مراهقته ومطلع شبابه متسكّعاً في الشوارع، مستسلماً لطيش الشباب ونزواته، لكن في نهاية الأمر عاد وقرّر أن يسلك درب كلّ شاب أصبح في مقتبل العمر وأن يتزوّج ويبني أسرة ويعيش حياة عاديّة، وهكذا حصل.
بدأ خليل عمله في الشركة التي تقدّم بطلب وظيفة فيها وهي شركة توزيع مياه شرب على المنازل، وعمله فيها
كان يقضي بنقل عبوات المياه من الشاحنة إلى المكاتب أو المنازل، لكنّ الذي حصل معه ظهيرة ذلك النهار لم يكن في الحسبان أبداً. ففي تلك الظهيرة وأثناء عمله المعتاد، طلبت منهم الإدارة التوجّه إلى إحدى المناطق القريبة من بيروت لتزويد إحدى الفيلات بطلبها من المياه. وصلت الشاحنة إلى الفيلا وبدأ خليل بنقل عبوات المياه، لكن ما إن قرع جرس الفيلا منتظراً الدخول وإيصال المطلوب حتّى فُتح الباب، ومعه أطلّت الخادمة ومن ورائها كلب كبير منظره كان كفيلاً بإنزال الرعب في قلب خليل، الذي يعاني «فوبيا» من الكلاب...
لحظات وبدأت المعركة، ركض خليل وعلى كتفه عبوة المياه والكلب يجري في أثره... جلبة وضجّة كبيرة لم يقطعها سوى نباح «دودي» كما تناديه الخادمة وصراخ خليل بأن يُبعدوه عنه.
فشلت كلّ محاولات خليل بثني «دودي» عن مهاجمته وفشلت أيضاً مساعي الخادمة التي كانت تلحق بالاثنَين.. التعب نال من خليل والعرق بدأ يتصبّب منه، ولم يعد قادراً على الجري أكثر، ولم يعد في إمكانه إلا أن يضع حدّاً لـ «دودي» وهجومه، فما كان منه إلا أن قذفه بعبوة المياه التي كانت كفيلة بتحطيم ضلوعه قبل أن يُطلق «دودي» صوتاً مدوياً كان كافياً لأن تأتي على إثره سيّدة الفيلا مسرعة، التي ما إن رأت مشهد «دودي» ممدّداً على الأرض وخليل يقف قربه مربكاً متجهّماً حائراً، حتّى بدأت بالصراخ في وجه خليل متوعّدة بإنزال أشدّ العقوبات في حال حصل أي مكروه لكلبها «دودي».
ركض سائق الشاحنة المسؤول عن خليل مسرعاً وأجرى اتّصالاً بإدارة الشركة التي أخذت قراراً فوريّاً بإيقاف خليل عن العمل وبتجميد طلبه المقدّم إلى الضمان الاجتماعي كونه لم يُكمل الثلاثة أشهر بعد.
أصرّت السيّدة التي اعتبرت «دودي» بمثابة إبنٍ من أبنائها على أن يتحمّل خليل كامل نفقة علاج «دودي» وأن يعتبره بمثابة مولوده القادم.
رفض خليل رفضاً قاطعاً مساواة «دودي» بمولوده القادم، ورفض أيضاً تحمّل كلفة العلاج باعتبار أنّ «دودي» هو الذي بادر بالهجوم عليه. وأمام انحياز الإدارة الكامل إلى صاحبة الفيلا التي أدخلت على جناح السرعة «دودي» إلى المستشفى للمعالجة، وأمام إصرار خليل على موقفه، اتّخذت الإدارة قراراً بتحميل خليل نصف كلفة علاج «دودي» البالغ سبعمئة ألف ليرة واقتطعتها من مستحقّاته.
وبينما كان «دودي» يرقد في المستشفى لتلقّي العلاج جرّاء الكسور التي أُصيب بها، أُدخلت زوجة خليل إلى المستشفى لتضع مولودها الذي أسمياه جميل..
خرج «دودي» من المستشفى ملفوفاً بالجفصين، وخرج جميل ابن خليل ملفوفاً بثياب الولادة.. استأنف خليل عمله في شركة مياه أخرى، وعاد يحمل عبوات المياه يوزّعها على المنازل. وفي إحدى المرّات، قرع جرس أحد المنازل وبينما كان ينتظر كي يُفتح له الباب، سمع صوت عواء كلب... دبّ الرعب في قلبه، رمى عبوة المياه من يدَيه وبدأ بالركض مسرعاً، صارخاً بأعلى صوته: «دودي.. دودي.. دودي»...
- العدد 37 من مجلة المغترب

ليست هناك تعليقات