باتريسيا شيريدن- ترجمة جريدة "الجريدة" مثل الأشباح في الأزمنة الغابرة، يبدو وكأن "الغيشا" الحقيقية تطوف بصمت في ...
باتريسيا شيريدن- ترجمة جريدة "الجريدة"
مثل الأشباح في الأزمنة الغابرة، يبدو وكأن "الغيشا"
الحقيقية تطوف بصمت في الشوارع عند الشفق، فتشق طريقها إلى بيوت الشاي والمطاعم حيث
تتولى الترفيه عن رجال النخبة النافذين.
تخضع فتاة الغيشا للتدريب كي تصبح مضيفة مثالية،
كما تبرع في العزف والغناء والرقص، والأهم من ذلك أنها تجيد التواصل مع الآخرين. التواجد
مع فتاة الغيشا يعني التواجد مع رفيقة جميلة وطليقة اللسان وموهوبة طوال الأمسية، ويُعتبر
هذا الحدث رمزاً للمكانة الاجتماعية. في الماضي، كان العملاء من الساموراي والقادة
العسكريين. لكنهم يشملون الآن السياسيين والممثلين والمديرين التنفيذيين الذين يستعينون
بفتيات الغيشا كل ساعة لتمضية عشاء خاص في المطاعم اليابانية التقليدية وفي بيوت الشاي.
تلك النساء لَسْن محظيات أو فتيات هوى. قبل الحرب
العالمية الثانية، كانت عذرية فتاة الغيشا تُباع في المزاد العلني لمن يعرض أعلى سعر،
لكن لم يعد الجنس جزءاً من الصفقة اليوم. يعني التحول إلى "غيشا" أن تصبح
الفتاة جزءاً من مجموعة خاصة وأن تلبّي دعوتها في الحياة. تكون هذه المرأة صاحبة مهنة
وهي فنانة استعراضية.
بدأت أعداد فتيات الغيشا الحقيقيات في اليابان تتلاشى.
بعدما كان العدد يبلغ 80 ألفاً في أنحاء اليابان في بداية القرن العشرين، يقتصر العدد
الآن على بضعة آلاف. تقول آن ألين، مرشدة سياحية محلية شاركت في رحلة حديثة إلى اليابان
ضمن برنامج السفر من تنظيم "متاحف كارنيجي في بيتسبرغ": "في كيوتو،
نجد حوالى 150 فتاة "غيشا" و"مايكو"، أي متدرّبة".
تجولت المجموعة في منطقة جيون، أحد الأحياء المحفوظة
تاريخياً في كيوتو، وهو المكان الذي شهد تصوير فيلم Memoirs of a Geisha في عام 2005. كان الفيلم يرتكز على رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب آرثر
غولدن.
في كيوتو، يتراجع عدد فتيات الغيشا الأصليات مقارنةً
بالفتيات المزيفات (شابات يرتدين زيّ الكيمونو الياباني التقليدي مع حزام "أوبي"
وجوارب "تابي" البيضاء وصنادل "غيتا" الخشبية). تحب الفتيات أن
يوقفهنّ السياح لالتقاط الصور معهنّ، فضلاً عن أن ارتداء الأزياء التقليدية يعكس احترام
اليابانيين للطقوس والتقاليد.
قالت إيمي بوتس، المديرة التنفيذية لجمعية بنسلفانيا
اليابانية الأميركية: "بالنسبة إلى فتيات يابانيات كثيرات، من الممتع أن يرتدين
أزياء غير مألوفة في الحياة العادية. أظن أن الأمر بالنسبة إلينا يشبه إطلاق نهضة جديدة
أو الخضوع لجلسة تصوير على طريقة الغرب القديم".
يمكن أن يخوض الزوار هذه التجربة أيضاً. في كيوتو،
تتعدد الأماكن التي تؤجّر أزياء الكيمونو أو نسخة منها للرجال، وهي عبارة عن رداء كيمونو
أسود مع معطف قصير فوقه.
قال كاتسوكو شيلهامر، منسق التوعية والتعليم في
جمعية بنسلفانيا اليابانية الأميركية: "يتألف الكيمونو من طبقات عدة ويصعب ارتداؤه
من دون مساعدة الآخرين. هو مكلف جداً وتُعتبر الأنماط الموسمية مهمة بالنسبة إليه.
يشبه الأمر ارتداء قطعة فنية".
تشمل المتاجر في طوكيو وكيوتو أقساماً مخصصة لأزياء
الكيمونو. يمكن شراؤها من المتاجر أو طلب زي خاص لكل عميل فضلاً عن شراء حزام "أوبي"
من المواد المتوافرة في السوق. ثمة خيار أقل كلفة وهو الكيمونو المستعمَل، وتتعدد المتاجر
التي تتعامل حصراً مع المنتجات المستعمَلة. غالباً ما يتم تناقل زي الكيمونو من الأم
إلى ابنتها.
يتعلق تحديث المظهر بنوع المواد المستعملة وزيادة
الأنماط البيانية الجديدة. عمدت شركة "سو سو" اليابانية لتصنيع الملابس إلى
أخذ الأحذية والجوارب من نوع "تابي" وتغطيتها بمزيج من الألوان والتصاميم.
كذلك أعادت ابتكار ملابس يابانية تقليدية أخرى.
خصائص الحياة
لكن بالنسبة إلى بعض الشابات، لا يكفي التشبّه بفتيات
الغيشا. بعيداً عن شخصية "هيلو كيتي" الشهيرة وحداثة الحياة اليابانية، تختار
تلك الشابات كسب لقمة عيشهنّ عبر أداء دور الغيشا. يجب أن تعيش الغيشا المتدربة، أو
"مايكو"، منذ عمر الخامسة عشرة في مقر الغيشا لتتعلم خصائص الحياة وراء الأثواب
والماكياج الأبيض. تدوم فترة التدرب بين ثلاث وخمس سنوات وتتلقى الفتيات خلالها الدعم
من المقر ومن "الغيشا الأم" عبر تحمّل تكاليف الدروس وأثواب الكيمونو والإقامة
والطعام. تخضع "المايكو" للاختبار قبل أن تتابع التقدم. خلال احتفال البلوغ،
ترتدي الفتيات الياقة البيضاء التي تميّز الغيشا.
يحصل الناس مرتين في السنة، في الربيع والخريف،
على فرصة مشاهدة مواهب الغيشا خلال مهرجان "مياكو أودوري" في مسرح منطقة
جيون. أقيم المهرجان للسنة 142 في وقت سابق من الشهر الفائت خلال زيارة مجموعة "متاحف
كارنيجي". استمتع المسافرون بالتعرّف إلى هذا العالم الاستثنائي، بما في ذلك حفلة
شاي قصيرة جداً تظهر فيها أدبيات سلوك معقدة يجب أن تصبح طبيعية لدى الغيشا الحقيقية.
بما أن الغيشا هي التجسيد الحي للتاريخ والخيال،
لا يُسمَح لها بالزواج مطلقاً! إذا تزوجت، يجب أن تغادر المجموعة.
تقول بوتس: "الغيشا والمايكو مميزتان جداً
بالنسبة إلى الشعب الياباني. هما جزء من عالم منفصل عن الحياة اليابانية العادية".
ليست هناك تعليقات