Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

" جدائل صعدة" لمروان الغفوري مرشحة لبوكر العربية

«الفصل الأول»  دُفن أبي في مقبرة القرية. استمرّت طقوس العزاء عشرة أيّام. كان علينا أن نطعم الزوّار باللحم والخبز، ونجهّز لهم الماء والق...


«الفصل الأول» 
دُفن أبي في مقبرة القرية. استمرّت طقوس العزاء عشرة أيّام. كان علينا أن نطعم الزوّار باللحم والخبز، ونجهّز لهم الماء والقهوة. ساعدتنا جاراتنا، بالطبع. أمّا أنا فكانت مأساتي مضاعفة. لعشرة أيّام كان بيتنا مسرحًا تتبادل فيها النساء عبارات المواساة والعزاء والشفقة في العلن، وأيضًا كلمات أخرى في السرّ.
كنّ يقلبن عيونهنّ مثل النسور يبحثن عن إيمان التي انتفخ بطنُها. «الله أعلم، سمعت أنّها كانت على علاقة بالمدرّس عبد الحافظ» همست امرأة لأخرى في الديوان.
نسيت النساء السبب الذي جئن لأجله، وانشغلن بأمر آخر: بطن إيمان الذي يكبر لسبب غير معروف. بالنسبة لنساء القرية كان السبب معروفًا: «لا بدّ أنّ رجلاً فعل بها». كانت الأحاديث كلّها تدور حول هويّة هذا الرجل الفاعل. «الملعونة، قتلت أباها، لم يستحمل العار» أسرّت امرأة لأخرى إلى يسارها.
ردّت عليها: «كان عليه أن يذبحها ليشفي غليله، لا أن ينفجر ويموت». كانت أمّي تلمح الأحاديث على العيون، فتشتعل الحرائق والبراكين في أعماقها. لوهلة نسيت أمّي مصابها في أبي ودخلت في معاناة جديدة بسبب مصابها بي أنا. أنا التي انتفخ بطنُها، أو التي حملت سفاحًا كما يقولون. شيء غريب يجري في خاطري الآن، وأنا أكتب لك هذه الرسالة. عندما أتذكّر الطريقة التي كانت تُحكى بها قصّتي، وتُتداول بين النساء والفتيات، ألمح أمرًا غريبًا. لم يكنّ يتطهّرن بسرد هذه القصّة وحسب، بل أيضًا يتلذّذن. بعضهنّ، كما كان يصلني من وقت إلى آخر، كنّ يقضين لقاءات كاملة في الحديث عن جريمتي التي ارتكبتها مع رجل غريب. كنّ يسردنها بالتفصيل. اخترعنَ قصّة كاملة، ليست قصّة اجتماعيّة وحسب بل قصّة جنسيّة أيضًا. لم يعد الدين يأخذ حيّزًا في القصّة أكثر من الحيّز الذي يأخذه الفراش. كلّ امرأتين كانتا ترويان القصّة بطريقة خاصّة بهما. كانتا تصنعان قصة وتشاهدانها معًا في مخيّلتيهما.
مع مرور الأيّام السريعة، أصبحت قصّتي نفسها تُروى في السرّ، كأنّهنّ يتداولن مادّة محرّمة، لذيذة. قيل لي في البدء إنّهنّ يشعرن بالاشمئزاز لمجرّد تذكّر اسمي. لكنّ القصص التي كانت تصلني، تجمعها شقيقتي بطريقتها الخاصّة، لا أجد فيها أثرًا للاشمئزاز، بل للنشوة. لو أغمضت أيّ امرأة، من صنّاع تلك الحكايات، عينيّها وتنفّست بعمق، سترى المدرّس عبد الحافظ بطلاً ينتظرها خلف التلّ، أو بين الأشجار في الطريق إلى قرية آل سالم. وبدلاً من أن تحتقرني وتبصق في وجهه ستجد نفسها تهوي في عالمه. لقد أنشأنَ قصّة ليهدمنَ بها الأسوار التي حبستهنّ منذ آلاف السنين في ذلك الجبل، لا ليغتلنَ إيمان، إيمان اليتيمة، كما كنت أعتقد. يا إلهي. لم تكن خطيئتي، كانت خطيئة القرية كلّها.

رواية مرشحة لجائزة "بوكر" العربية في موسمها الجديد,,,

ليست هناك تعليقات