Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

عن سمير جعجع” (بقلم نجوى بركات)

لم أكن يوما من مناصري أو مؤيّدي أو محبّذي سمير جعجع، ولم تربطني به صداقة أو علاقة من أي نوع كان،رغم أنه ابن قريتي الجميلة بشرّي، بل أنني ...

لم أكن يوما من مناصري أو مؤيّدي أو محبّذي سمير جعجع، ولم تربطني به صداقة أو علاقة من أي نوع كان،رغم أنه ابن قريتي الجميلة بشرّي، بل أنني حتى كنت من المعادين علنا لسياسته وللتيّار الذي ينتمي إليه، كوني كنتُ آنذاك منحازة بشكل صريح إلى اليسار وإن كنت لم أنتسب إليه بمعنى العضوية الحزبية.
 مع أنني غادرت في منتصف الثمانينيات الى باريس بحجة متابعة دراستي، وبدافع الابتعاد قليلا عن أتون الحرب اللبنانية، فقد بقيتُ على صلة وثيقة بكل ما يحدث في “وطني الحبيب”، إن من خلال صلتي بعائلتي المارونية المقيمة في بيروت، أو بأصدقائي اليساريين المتشكّلين من مجمل الطوائف اللبنانية.

بسبب تاريخي الشخصي هذا، فلي ميل للحكم على سمير جعجع وعلى التيار الذي يمثله بتشدّد تلقائي، حتى أنني كنت أعيد قراءة المواقف اليسارية المدافعة عنه أثناء سنوات سجنه الإحدى عشر، مرة واثنتين، لكي لا أكتشف نفسي متلبّسة بالانزلاق إلى شيء من التغاضي أو الانحياز اللذين كنت أخشاهما بقدر ما يخشى آخرون الطاعون، كونهما الدليل الدامغ على فئويتي بالمعنى الدارج في لبنان، أي بما هي عودة مطلقة إلى أحضان الطائفة وتوجيه صبّابات الحقد والكراهية إلى كل ما هو عداها.
اليوم، وأنا أرى كل ما أراه من “جسارة” – لكي لا أقول وقاحة – في تبرير ما لا يبرّر وتحقير الآخر فقط لأنه آخر وليس نحن، واليوم وأنا أرى السقوط السريع المدوّي لبعضنا في أحضان طوائفهم وتبنّي مواقفها بشكل أعمى وأيا كانت، رافعين شعارات كاذبة فارغة من معانيها، فقد بات عليّ تقديم الاعتذار لسمير جعجع عن موقفي اللاموضوعي ذاك وعن “ضميري الأعرج” الذي يدفعني، لأني مارونية، إلى القسوة على كل ما يجيء من طائفتي، حتى حين يعتدل ويصيب.
فليس الرجل الذي ترشّح للانتخابات الرئاسية ببرنامج مدروس محكم لم يتمكّن أخصامُه من أن ينتقدوا أية نقطة فيه، أميرَ الحرب الوحيد الذي لم يزل الى اليوم منصّبا على طائفته، وإن كان الوحيد الذي قدّم اعتذارا عن ممارساته خلال الحرب، والوحيد الذي عوقب وسجن، والوحيد الذي انتقل من ممارسة العمل الحربيّ إلى ممارسة العمل السياسي بمعناه الفعلي.
لا يفرحني ولا يطمئنني أن يكون زعماء الحرب الأهلية ما زالوا زعماءنا الى اليوم. لكن، يقلقني جدا ويهولني أن تفتح أبواب الجحيم على الرجل لأنه ترشّح لرئاسة الجمهورية حين يأتي الهجوم الأكثر ضراوة عليه من قبل من لا يتكلّمون إلا لغة التهديد والوعيد، وممّن يدعون خصومهم من أصحاب الرأي المعاكس إلى تحسّس رقابهم، مانحي الدروس الأخلاقية الذين لا يرون أيديهم وأرجلهم الغارقة اليوم، حتى الركب، في الدماء.
لا أفهم كيف ذابت تلك المسافات النقدية التي كنا نحرص على إقامتها مع جماعاتنا وثقافاتنا وبلداننا وذواتنا، كيف تبخّرت بقدرة قادر وحلّت مكانها قناعة مطلقة باجتماع ما لا يجتمع، بتبرير ما لا يُبرَّر، وباحتكار الحق والصواب والأخلاقية فوق ذلك كله.
الرؤية تضيق والعبارة تهطل حمما، لذا فلا بأس من الختام بجملة قالها السيد المسيح دفاعا عن مريم المجدلية: من كان منكم بلا خطيئة، “فليرجمه” بحجر!
سيرة ذاتية: نجوى بركات روائية لبنانية ومؤسسة “محترف كيف تكتب رواية”، عملت كصحفية حرّة في عدد من الصحف والمجلات العربية، كماأعدّت وقدّمت برامج ثقافية أنتجتها “إذاعة فرنسا الدولية” و”هيئة الإذاعة البريطاني”ة،إلى جانب إنجازها عدد من السيناريوهات الروائية والوثائقية والحلقات 15 الأولى من برنامج قناة الجزيرة الثقافي “موعد في المهجر”.  كتبت نجوى بركات 5 روايات باللغة العربية صدر معظمها عن دار الآداب في بيروت وهي: “المُحَـوِّل” – “حياة وآلام حمد ابن سيلانة” – “باص الأوادِم” – “يا سلام” – “لغة السرّ” ؛ وقد حاز بعضها على جوائز وترجم إلى لغات أجنبية، إلى جانب رواية واحدة باللغة الفرنسية – La locataire du Pot de fer-؛ كما ترجمتْ “مفكّرة كامو” في ثلاثة أجزاء صدرت حديثا عن دار الآداب ومشروع “كلمة”.

ليست هناك تعليقات