Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

زهير دبس عن "حكاية خميس وبقرته العترة"

فوجئ خميس عندما كان يرعى بقراته بالقرب من خطّ التماس، الفاصل بين مناطق الجنوب المحرّرة وقرى الشريط المحتلّ قبل التحرير عام 2000، ببقرة ت...


فوجئ خميس عندما كان يرعى بقراته بالقرب من خطّ التماس، الفاصل بين مناطق الجنوب المحرّرة وقرى الشريط المحتلّ قبل التحرير عام 2000، ببقرة تجتاز تلك المنطقة الفاصلة وتنضمّ إلى بقراته غير آبهة بالمخاطر التي تتهدّدها.
لم يصدّق خميس ما رأته عيناه، ففركها وأغمضها ثمّ عاد وفتحها مجدّداً ليرى أنّ الذي شاهده منذ قليل حقيقة واقعة لا لبس فيها. بقرة بكلّ قوامها ودسامتها، وما أن اقترب منها متفحّصاً، فإذا هي هولنديّة الجنس، مؤصّلة الصنف، يحلم بها كلّ فلاح ومزارع.
أحدث قدوم «عترة»، كما أسماها خميس، إرباكاً كبيراً في حياته. فبعد أن دلف بها وببقراته إلى الزريبة، وبعد أن رأى ما أضافت إليه من إنتاج في الحليب، بدأت أحلامه الورديّة تنطلق إلى آفاقها الرحبة مزيّنة بأولاد «عترة» وبإنتاجها وثمنها وكلّ ما يحيط بها، وكأنّها ليلة قدر نزلت عليه لتعينه على مصاعب الحياة وعاديات الزمان.
لم ينم خميس تلك الليلة من الفرح ومن الحسابات التي كيفما قلّبها جلبت إليه أرقام السعد، لكنّها لم تستطع أن تُبعد تلك الأسئلة المقلقة والمحيّرة التي بدأت تراوده عن صاحب «عترة» القابع في تلك القرية الواقعة خلف خطوط التماس وعن حزنه عليها، وهواجس كثيرة أخرى بدأت ترخي بظلالها على كاهل خميس.
ما إن أطلّ الصباح حتّى أطلّ معه خبر «عترة» منتشراً في كلّ بيت من بيوت الضيعة، فبدأت الوفود تتقاطر إلى بيت خميس مسديةً النصائح والاقتراحات بشأنها، فمنهم من اقترح ذبحها وتوزيع لحمها على أبناء الضيعة، ومنهم من اقترح اللجوء إلى الشيخ لكي يفتي بشأنها، ومنهم من اعتبرها غنيمة حرب، وآخرون قالوا ببيعها وتوزيع ثمنها، والكثير الكثير من الاقتراحات التي حوّلت فرحة خميس بقدوم «عترة» إلى نقمة قلبت حياته جحيماً نتيجة الطامعين والحاسدين، لكنّ الذي قسم ظهر البعير هو التحذير الذي نقله أحد أبناء القرية إلى خميس من أنّ العميل لحد نصب مدافعه ووجهّها صوب المبعبلة (المحلّة التي يسكنها خميس) وبأنّه أعطى مهلة زمنيّة لكي يردّ البقرة وإلا فإنّ المدافع هي التي ستتكلّم وستدكّ المبعبلة وتحوّلها إلى ركام.
جنّ جنون خميس وأخذ قراراً سريعاً يجنّبه ويجنّب «عترة» أي مكروه، فنهض في الصباح الباكر وجرّ «عترة» وراءه وتوجّه إلى مخفر تبنين، وهناك قصّ على مسؤول المخفر الحكاية، فما كان من الأخير إلا أن فتح محضراً بالحادث وأمر بتوقيف «عترة» على ذمّة التحقيق لكن مع وقف التنفيذ ريثما يتحرّى عن صاحبها، وأمر خميس بالعودة إليه بانتظار جلاء مذكّرة البحث والتحرّي.
عاد خميس و«عترة» بعد أسبوع، فأبلغهما المسؤول أنّهم عرفوا صاحب «عترة» ويُدعى بو مخايل من قرية «عين ابل»، لكنّ خميس رفض تسليمها قبل أن يتمّ ذكر مواصفاتها، وهو سرعان ما حصل وكان مطابقاً لمواصفات «عترة» من الجنس إلى اللون ولون العينين وصولاً إلى العلامات الفارقة.
أُقفل المحضر وتسلّم خميس من رسول بو مخايل إقراراً يُبرئ ذمّته من كلّ ما يتعلّق بـ «عترة». سار بعدها الرجلان إلى خطّ التماس الذي يفصل قرية خميس عن قرية بو مخايل، وبدأت «عترة» تبتعد في عمق الشريط المحتلّ وعينا خميس تنظران إليها لم يقطعها سوى موعد التحرير، ليصل بو مخايل بعدها مصطحباً عجلاً صغيراً إلى منزل خميس صارخاً: يا خميس يا خميس، فأطلّ خميس فقال له بو مخايل: «هيدا هديّة من «عترة»!!

ليست هناك تعليقات