في وقتٍ متأخر، بعد عام 2003، حينما استطعتُ العودة إلى العراق، وتوديع ذلك العالم الذي استمر 25 عاماً، كنتُ أعودُ إلى أوراقي القديمة و...
في وقتٍ متأخر، بعد عام 2003، حينما استطعتُ العودة إلى العراق، وتوديع ذلك العالم الذي استمر 25 عاماً، كنتُ أعودُ إلى أوراقي القديمة ومراسلاتي مع الموتى والأحياء، فوجدت عدّة رسائل من عبد العظيم فنجان، كنتُ قد نسيتها تماماً، ونسيتُ حتى كوني كنتُ أتراسل معه، فقد كتب لي مثلاً من إيران بتاريخ 10/8/1996:
"بدأتُ أشعر بالقرف من الشعر لشدّة ما قتلوا فيه من روح، خاصة جيل الثمانينات الذي كتب نص "التعمية" ليشارك نصفه الآخر الذي كتب قصيدة "التعبئة"، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل تبعه إلى إلغاء شامل لهواجس الناس وكأن الحرب كانت مجرد طيف ساحر لم يدم أكثر من ثوانٍ..."
وأيضاً من هناك، بتاريخ
12/10/1996: "لست يائساً، انما لست أقع على ما أريد. الكلمات تهجرني،
والشعر بالنسبة لي لم يقدم براهينه، أفضّل أن أكون عابر سبيل أزاءه، أدير
ظهري له، غير عابئ بما فيه من جاذبية خلق، لأنني طالما آمنت بما قاله
كوكتو: الشعر ينبع من أولئك الذين لا يعبأون به. من جانب آخر أشعر أنني
تأخرتُ كثيراً، أصبح عمري الآن أربعين عاماً دون فرصة كتاب واحد، أضعتُ
حياتي في مخاضات خائبة... انني أقرف الآن، صدقني، من ذلك الماضي وأرغب أن
أتطهر حتى من اللطف، وتلك أقصى غايتي "
وماذا بعد؟
لا أدري بماذا أجبته حينها، وبماذا فكّرتُ؟ لكن الشيء الأكيد أننا كنا نستمد قوة الحياة، قوة الشعر، من هذه الرسائل التي كنا نتبادلها، وبفضل الوهم الذي كنا بواسطته نعيش. فقد كنّا ،كلٌّ في مكانه ، لا يتجرّعنا حتى الأمل الوهمي.
كنّا نبحث عن الشعر، عن الحياة وسط ركام الادعاء الأديولوجي والبلاغي، الذي كان بامكانه تشويش حواسّنا حدّ الضجر، لكنه ركام فعّال في الإبتعاد عن الواقع وتجنّب ما هو حياتي وحقيقي. كان مجرد غبار تُطلقهُ أرواحٌ مصدورة، لكنها مثل أي غبار يبقى متراكماً بكسل في مكانه حتى تجرفه الأمطار..
ليست الجرأة في قول الشعر والمثابرة، هي ميزة عبد العظيم فنجان فقط، انما هي شجاعته في تناول جرعة الحرمان والنفي من حياة لم تبخل عليه بكل أنواع الطرد.
هكذا يكون الشاعرُ في مكانه الحقيقي، وتتكامل قصيدتهُ في مجمرة الروح، منتظرة "القارئ الشقيق" في متاهات الحياة العراقية والعربية اليوم.
عبد العظيم فنجان شاعر خَفِرٌ، لا قصيدة مكتملة لديه، فهو يعمل ويعمل ويبني ويهدم في بيت قصيدته، دون أن يمنحنا الإعتقاد بكونها كاملة، فقصيدته موضعها السندان وتُطرق كلما اعتقد الشاعر بأنها لم تزل غير واضحة المعالم في بعض أبياتها. حياته أيضاً هي هذه القصيدة التي يأملها، نأملها في كلّ دورة حياة نستطيعها.
القصيدة عند عبد العظيم فنجان، هي الأغنية تلد، يهمسنا لحنُها، وأزاء اغراء كهذا ترقصُ الروحُ وكأنها أبدية.
وماذا بعد؟
لا أدري بماذا أجبته حينها، وبماذا فكّرتُ؟ لكن الشيء الأكيد أننا كنا نستمد قوة الحياة، قوة الشعر، من هذه الرسائل التي كنا نتبادلها، وبفضل الوهم الذي كنا بواسطته نعيش. فقد كنّا ،كلٌّ في مكانه ، لا يتجرّعنا حتى الأمل الوهمي.
كنّا نبحث عن الشعر، عن الحياة وسط ركام الادعاء الأديولوجي والبلاغي، الذي كان بامكانه تشويش حواسّنا حدّ الضجر، لكنه ركام فعّال في الإبتعاد عن الواقع وتجنّب ما هو حياتي وحقيقي. كان مجرد غبار تُطلقهُ أرواحٌ مصدورة، لكنها مثل أي غبار يبقى متراكماً بكسل في مكانه حتى تجرفه الأمطار..
ليست الجرأة في قول الشعر والمثابرة، هي ميزة عبد العظيم فنجان فقط، انما هي شجاعته في تناول جرعة الحرمان والنفي من حياة لم تبخل عليه بكل أنواع الطرد.
هكذا يكون الشاعرُ في مكانه الحقيقي، وتتكامل قصيدتهُ في مجمرة الروح، منتظرة "القارئ الشقيق" في متاهات الحياة العراقية والعربية اليوم.
عبد العظيم فنجان شاعر خَفِرٌ، لا قصيدة مكتملة لديه، فهو يعمل ويعمل ويبني ويهدم في بيت قصيدته، دون أن يمنحنا الإعتقاد بكونها كاملة، فقصيدته موضعها السندان وتُطرق كلما اعتقد الشاعر بأنها لم تزل غير واضحة المعالم في بعض أبياتها. حياته أيضاً هي هذه القصيدة التي يأملها، نأملها في كلّ دورة حياة نستطيعها.
القصيدة عند عبد العظيم فنجان، هي الأغنية تلد، يهمسنا لحنُها، وأزاء اغراء كهذا ترقصُ الروحُ وكأنها أبدية.
ليست هناك تعليقات