مواطن من بلدة عرسال يقيم في مدينة طرابلس مع اسرته ذهب لتسجيل ابنائه في إحدى المدارس الرسمية، وعندما وصل إلى المدرسة المقصودة ودخل الى...
مواطن من بلدة عرسال يقيم في مدينة
طرابلس مع اسرته ذهب لتسجيل ابنائه في إحدى المدارس الرسمية، وعندما وصل إلى المدرسة
المقصودة ودخل الى الإدارة وقابل المدير وافصح عن غايته، رحب به المدير لكن لم يسجل
له ابناءه دون أن يأتي بتوصية من مكتب دولة الرئيس عمر افندي، فانصاع هذا المواطن لتعليمات
المدير ذهب الى مكتب دولة الرئيس كرامي، انتظر حوالي النصف ساعة حتى وصل دوره في زحمة
التوصية الرئاسية من اجل مقعد في المدرسة الرسمية، وعندم اقترب من الموظف المكلف باعطاء
التوصيات رحب به وارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة، وطلب الاوراق الثبوتية للتلاميذ المنوي
تسجيلهم في المدرسة واستل قرطاسه، الذي يدوّن عليه اسماء من يربّحهم الجميل بقبول ابنائهم
في المدرسة الرسمية مقابل تصفيقهم له وصوتهم الانتخابي في الغد المنظور. تأمل الموظف
وثيقة إخراج القيد فجحظت عيناه وجمد المداد في عروق يراعه الذي تحرر من بين أنامله
وتحركت يسراه بهدوء لتطرد الوثيقة إلى حدود عالمه، الى حدود طاولة المكتب مع اطلاقه
صرخة تعجب واستهجان: عرسال(!!) ما النا مصلحة مع اولاد عرسال متأسفين يا استاذ ورفض اعطائه التوصية .
هذه الحكاية التي حدثت منذ عدة سنوات،
تختصر معاناة هذه البلدة منذ فجر الجمهورية اللبنانية. هذه البلدة الرابضة بين احضان
السلسلة الشرقية من جبال لبنان تنتمي الى طائفة مغايرة لمحيطها الديموغرافي، ولهذا
السبب فإن حركتها وتأثيرها السياسي شبه معدوم في ظل تركيبة النظام الطائفي والقوانين
الانتخابية التي يتم التوافق عليها بين أركان هذا النظام. وبما أن تاثيرها محدود، فإن
حصتها من الخدمات والوظائف العامة تذهب إلى أماكن ومناطق اخرى يتم استثمارها في الصناديق
الانتخابية من القيمين على الطائفة التي تنتمي إليها على مر الحقبات والعهود وتبدل
مراكز القوة والقيادات.
والعقل الجمعي لأبناء هذه البلدة
لا يعرف مسك العصا من وسطها، بل دائما من الطرف الحامي، وهذا ما يترك اثاره السلبية
عليها في ظل نظام قائم على المساومة والتوافق والمهادنة بين مكونات المجتمع اللبناني.
وهذا يجعل مواقفها تتمايز عن مواقف محيطها السياسي وهكذا تخرج من المعادلة الخدماتية
المفترض ان تتلقاها من الدولة اللبنانية بسبب بعدها عن مركز الحدث، والتأثير عند القيمين
على الطائفة المنتمية لها وبعدها من جهة وعدم احتياجها السياسي والعددي لمحيطها رغم
وصول اثنين من ابنائها عبر لوائح "حزب الله" الى البرلمان، لكنهما كانا عديمي
التأثير والفعالية بسبب ارتباطهما السياسي باللائحة التي وصلا عبرها. وعلى هذا تبقى
عرسال تصارع العواصف بين سدان الجغرافية ومطرقة النظام الطائفي البغيض، وقد اعتمد ابناؤها
على جهودهم الخاصة في تأمين العديد من الخدمات والمشاريع الانمائية ضمن قدراتهم المتوفرة،
من توسيع طريق الرئيسي الى شق الطرق الزراعية الى ترميم المدارس وتوسيعها بالاضافة
الى تشييد ابنية لمدارس جديدة. وتبقى خدمات اساسية اكبر من امكانيات المجتمع المحلي
وقدرته التطوعية ..
فهل يعقل ان تكون بلدة يقطنها 35
ألف نسمة بلا مستشفى او حتى مركز طبي وأقرب مستشفى تبعد عنها 40 كلم فقط؟ هذا قبل الشحن
الطائفي والمذهبي الذي مارسته ابواق اركان النظام الطائفي الفاسد... اما اليوم فان
اقرب مستشفى يبعد عنها 80 كلم بعد ارتفاع عدد سكانها الى حوالي 100 الف بسبب النزوح
السوري؟!
وهل يعقل ان تكون بلدة يقطنها 35
ألف نسمة موزعين على 7 آلاف وحدة سكنية بدون شبكة صرف صحي وهذا قبل استضافتها عشرات
آلاف النازحين.السوريين
هذا بالإضافة الى حرمان هذه البلدة
وأبنائها من الوظيفة العامة العسكرية منها
والمدنية من الدرجة الاولى والثانية فهل يعقل ان تكون الوظيفة الاساسية في هذه البلدة هي معلم
المدرسة والجندي بالجيش اللبناني؟
وهل يعقل ان يضم الجيش والقوى الامنية
الاخرى مئات العناصر في صفوفه ويعجز على استيعاب تلميذ ظابط في مدرسته الحربية؟ مع
الاشارة ولأمانة الحديث فقد تم اختراق هذا الجدار خلال العشرين سنة الاخيرة بعدد لا
يتجاوز عدد اصابع اليها اليد الواحدة وقد تم ذلك بجهود و "واسطة " شخصيات
من خارج الطائفة .
والى متى ستبقى هذه البلدة مجرد عدد
على طاولة المزايدات؟
الى متى ستبقى هذه البلدة مجرد خزان
بشري تشحنه الابواق ساعة تشاء بكلام عاطفي من اجل مارب رخيصة
عرسال بلدة لبنانية عليها واجبات
ولها حقوق في حصص هذا النظام الطائفي وتحديدا لدى القيمين على الطائفة السنية.
فإلى متى ستبقى هذه البلدة خارج التركيبة
الوطنية في ظل نظام الطوائف وتشريعات امرائها؟
خاص "الرومي"
ليست هناك تعليقات