لما كانت دروس الحرب الاهلية لا تتغيّر، هذه مقاطع من مقال كتب في ذكرى ١٣ نيسان العام ٢٠١١ . ذكرى الثالث عشر من نيسان، مناسبة لأ...
ذكرى الثالث عشر من نيسان،
مناسبة لأن يستعيد - الشباب والاقل شبابا - بعض الوقائع والدروس عن الحدث الدرامي
الذي اندلع ٣٩ سنة ما يسمح بالاجابة على تلك الاسئلة.
اولا، ارتبط الاقتتال الاهلي،
في مطالعه، بمحاولة لـ« اسقاط النظام » بل كاد ان ينجح في اطاحة رئيس ذلك النظام،
وقد كان للنظام رأسا واحدا في تلك الايام، عندما اقدمت اكثرية نيابية، تحت ضغط
شعبي ومسلّح، على مطالبة رئيس الجمهورية بالتنحي. رفض الرئيس التنحي وأنقذه من
السقوط دعم الحكم السوري لبقائه حتى آخر ولايته.
ثانيا، دارت الصراعات الداخلية
في القسم الاوفر من الحرب الاهلية بين كتلتين استولدتهما ازمة اقتصادية واجتماعية
وسياسية شاملة. حاولت كل الكتلتين، بضغط السلاح والاستقواء بقوى خارجية، فرض
صيغتها للنظام السياسي على سائر اللبنانيين. حاولت الحركة الوطنية اللبنانية،
مستقوية بالسلاح الفلسطيني، فرض الغاء النظام الطائفي واعتماد قانون مدني اختياري
للاحوال الشخصية. قضى على المحاولة تدخلُ الجيش السوري، في خريف ١٩٧٦، في اطار
«قوات الردع العربية، مدعوما من الجامعة العربية وبإجازة اميركية. وارتبطت
المحاولة الثانية بـ«الجبهة اللبنانية »، بقيادة بشير جميل ومن بعده اخيه امين،
وقد توسلت الدعم الاسرائيلي ثم الغزو العسكري الاسرائيلي لعام ١٩٨٢، لفرض وحدانية
السلطة السياسية متجسدة في منصب رئيس الجمهورية مطلق الصلاحيات، على حساب منوعات
من الشراكة غير المتكافئة بينه وبين رئيس الحكومة.
ثالثا، طرح شعار اسقاط النظام
عقب عقد كامل من الزمن، ١٩٦٤-١٩٧٤، تحركت خلاله كافة قطاعات الشعب اللبناني، في
مختلف طبقاتها ومكوناتها، طاولت مطالبها كل وجه من اوجه الحياة اللبنانية،
التعليمي والزراعي والصناعي والمطلبي والعمالي والاجتماعي. وقد انتقلت الحركة
الشعبية تلك، او بعض اجزائها، الى طرح شعار اسقاط النظام، بعدما اصطدمت كل هذه
التحركات بجدار برجوازية مالية-تجارية رفضت ان تقدم اي تنازل لقضية الاصلاح، في اي
مجال من مجالات حياة اللبنانيين، وتطلّب شرايين طبقة حاكمة، عاجزة عن الاستمرار في
ادوارها المحسوبية، وإن تكن لا تزال متحصنة بنظام انتخابي يعيد انتاج رجالاتها
وتوريث ابنائها. إذذاك، امكن المجازفة في الانتقال من تعدد المطالب الاجتماعية
والاقتصادية والسياسية الى هدف تغيير النظام السياسي، اي العبور من النظام الطائفي
الى نظام ديمقراطي علماني.
رابعا، لا بد ان تتعدى ذكرى ١٣
نيسان مجرد مناسبة لتقبيح الحرب، وهوس الكشف عما فيها من مجازر وعنف، الى البحث في
اسبابها، ومسألة المسؤولين عن منع قيامها قدر المسؤولين عن الحرب ذاتها، ومن اجل
استخلاص دروسها والعبر ونحسب ان اهمها ما يلي:
+ كل احتقان سياسي واجتماعي في نظام يوزع الحقوق والحصص
السياسية والاجتماعية والموارد والوظائف وخدمات الدولة بناء على الانتماء الى
الجماعات الطائفية-المذهبية إن لم يعالج بالاصلاحات اللازمة يهدد بالانفجار عند
حلقته الطائفية-المذهبية-الاهلية.
+ كل محاولة لفرض التغيير بواسطة السلاح، في بلد منقسم
طائفيا ومذهبيا، محكوم عليها التدهور الى اقتتال اهلي لا يلبث ان يعيد انتاج النظام
في ابشع مكوناته ومظاهره.
+ كل محاولة لفرض التغيير على الجسم الرئيسي لمكوّن طائفي
او مذهبي من مكونات البلد لن ينتج الا الاقتتال الاهلي ودفع الطرف المعني الى
الاستقواء بالخارج.
+ التغيير الذي يستحق الامل فيه، والعمل من اجله، هو الذي
تمارسه كتلة شعبية عابرة للطوائف تمتلك ما يكفي من الصفة التمثيلية ومن القدرة على
التعبئة والحشد لكي تراكم من المكاسب والانجازات ما يسمح بالتغيير الجذري والنوعي
في النظام ومؤسساته وتشريعاته وآليات تشغيله.
+ الاستقواء بالخارج ضد الآخر الداخلي، في السلم كما في
الحرب، إنتحار طوعي: جربه الجميع وخرج منه الجميع خاسرين.
خامسا، تفيد الانتفاضات
المندلعة حولنا في تعليمنا أن ما من نظام «يسقط» من تلقاء ذاته. يسقط النظام إما
بعنف اعنف منه وإما بقوة اقوى منه. في كل الاحوال، فالتحرك «السلمي» الذي اسقط رأس
النظامين التونسي والمصري، وقد سالت فيه دماء كثيرة، نجح، في ان يبقى سلميا لأنه
تمكن، بالقوة العددية الجماهيرة، من شلّ قدرة الجيش على اللجوء الى العنف، والجيش
هو قوة القمع الاحتياطية الاخيرة لاي نظام. علما ان ما جرى حتى الآن زعزعة اركان
نظام لا استبداله بنظام بديل.
ليست هناك تعليقات