صنوبر بيروت صلة الحديث السابق شرحت في الحديث السابق ملابسات ورطتي في الفيسبوك، واحتملت أن يكون لهذا الحديث صلة تبّين أسباب "...
صلة الحديث السابق
شرحت في الحديث السابق ملابسات
ورطتي في الفيسبوك، واحتملت أن يكون لهذا الحديث صلة تبّين أسباب "تمنتكي"
- أقصد إحجامي وإمتناعي- عن هذه "الشغلة" حتى تاريخه...
وها هي صلة الحديث مرسلةً على
طريقة "سلامٌ يجر كلاماً، وكلامٌ يجر بطيخاً":
بدايةً، وحتى لا يُساء الظن بي،
ألفت نظر الفيسبوكيين الأشاوس، لاسيما العرب منهم ( "من الشام إلى بغدان، ومن
نجدٍ إلى يمنٍ، إلى مصر فتطوان" ) - ألفت نظرهم إلى أني لست جاهلاً مخبولاً
حتى أنكر عظمة هذه الاختراعات التي تمجد الخالق في خلقه، ومن بينها الخليوي الذي أكرهه
كراهيةً مهولة. وعندي، كما عند كثيرين منكم، أن عاملاً في مختبر علمي لخدمة الناس -
أو حتى لمجرد خدمة العلم - خيرٌ من عابدٍ إعتزل الناس وانقطع إلى عبادة ربّه في
صومعة نائية. وقديماً جلد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه وأرضاه - مثل هذا العابد،
لأن اعتزاله كان على حساب قوت عياله.. فتأمل!
أيضاً لا أنكر على مستخدمي
مواقع التواصل الاجتماعي أن واحدهم "يحب أن يُعرف"، فهذا الميل طبيعي
ومشروع، لأنه مركوز في كلّ إنسان، و قد يكون مركوزاً في كلّ حيّ ( ما رأي علماء
الإحياء البيولوجيين في هذه المسألة؟). والحال كذلك، فهو "حقٌ" ألمحت
إليه الشرعة العالمية لحقوق الانسان عندما نصَّت على حقّ "التعبير". وحبذا
لو أن هذه الشرعة تنصّ بالحرف على " حقّ الانسان في أن يُعرف" ( ما
رأيكم بهذا الشعار المطلبي، أيها الفيسبوكيون الأكارم؟).
كوني شاذاً عن الطبيعي المألوف،
لهذه الناحية، فهذا لا يعني انني "فوق" الناس، بل "دونهم" بالتأكيد.
ودليلي على ذلك أن العلي الأعلى نفسه، في عز احساسه بالأحدية والصمدية، أحب أن
يُعرف، فخلق الخلق. ثمة "حديث قدسي" - إذا صح سنداً ومتناً - يخبرنا أنه
تعالى قال: "خلقت الخلق لأعرف".
المسألة عند هذا الحد بسيطة، "لا
ينتطح فيها عنزان"، كما قالت العرب. أو لنقُل إن دخولي هذا العالم الافتراضي
لن يضيف إليه شيئاً مذكوراً، مثلما لن ينقص منه شيئاً استنكافي عنه:
ما زاد حنُّون في الاسلام
خردلةً ولا النصارى لهم شغلٌ بحنونِ.
"تمشكلت" المسألة عندي - أي أصبحت مشكلة - لما رأيت
الأسلوب الشائع في إستخدام هذه الطريقة في التواصل الإجتماعي، فانتقل موقفي من
الاستنكاف إلى النفور والكراهية، ثمَّ تفاقم إلى حدّ "التعصيب" وزجر بعض
الفيسبوكيين والفسبوكيات من حولي، مستغلاً دالّتي عليهم بواقع كبر سني واحترمهم لي.
وهذا - لعمري وعمركم وعمر
السامعين جميعاً - سلوكٌ من قبلي قد ألام عليه بإعتباره إستخداماً مفرطاً للدالة،
أي للسلطة المعنوية.
شعرت بشيءٍ من السلوى والعزاء
لما علمت انني لست وحيداً على ضفة الإستياء من "سعدنة" بعد الفيسبوكيين
الممجوجة. فقد وافقني بعض الاخوان على تسميتي الفيسبوك بإسم "صنوبر بيروت"
- مع أنه بالتعريف مخلوقٌ من أجل تواصل شخصي وحميمي - لما في سوء إستخدامه من
تشهير متبادل، وتراشقٍ من فوق السطوح، وبث الاشاعات، بما في ذلك "إشاعات
أمنية" جعلت الملسوعٍين المتطيرين في بيروت وضواحيها - مثلاً - يتحركون مثل
قطط مذعورة على صفيح ساخن... ولإستخدامه التشهيري بات يصح القول: سوف أنشرك على
صنوبر الفيسبوك!
كذلك لاحظت أن هذا "الوباء"
ليس وطنياً لبنانياً فحسب، بل هو قومي بإمتياز (أبشر، يا أخا العرب!).
ففي أول آذار الجاري تداعى مثقفون
وأهل رأي سعوديون إلى مؤتمر عاجل في مدينة الرياض، خُصص للبحث في ما آلت إليه
الامور من "فلتان وتسيّب" على صعيد إستخدام مواقع التواصل الاجتماعي،
ولاسيما الفيسبوك منها. فلغة التواصل والتعبير في أوساط الشباب - على حد قول
المؤتمرين - باتت مشحونة بالألفاظ النابية والبذاءات، من دون إحترام لأصول التخاطب
وحرمات الناس، وبلغ الأمر بهم حد تكوين جماعات ومجموعات فيسبوكية تقوم بينها حروب "داحس
والغبراء" في هذا الفضاء الإفتراضي، حيث نسمع ما هو أخطر من قعقعة السلاح: نسمع
قعقعة التحريض الديني والمذهبي والقبلي والعرقي، فضلاً عن قلة الحياء في التخاطب
الشخصي. والحال كذلك - قال المؤتمرون - ينبغي سن قوانين من شأنها وضع حدٍ لهذه
الآفة.
طبعاً لا يكون وضع الحد بالقضاء
على هذه المخلوقات الجميلة (مواقع التواصل الإجتماعي) بالأساليب الهمجية، من قبيل "رمي
الطفل مع المياه الوسخة"، أو على نحو ما يُحكى عن حاكم العراق الأسبق عبد
الكريم قاسم أنه قال في إحدى خطبه الحماسية: "سنقضي على الفقر والفقراء!"،
أو كما فعل حاكم سوريا السابق في بعض الأوقات إذ منع الناس من إستخدام "الفاكس"
بمقتضى أمن النظام والمصلحة القومية العليا (تكبير!!)، أو كما فعل حاكم إيران
إبّان "الثورة الخضراء"، أو... أو...
الفضيحة "الأخلاقية" في
هذا الواقع موصوفة، بل كاملة الأوصاف - على قول عبد الحليم حافظ - ويسع أي أخلاقي
غيور أن يفندها ويقول فيها أكثر مما قال مالك في الخمرة.
لذا اتجاوزها اللآن منهجياً لا
مبدئياً، رغم انحيازي الشديد، والمبالغ فيه أحياناً، إلى "الأخلاقيات". ما
استوقفني أكثر من الفضيحة "الأخلاقية" الفضيحة "الثقافية - الحضارية"
في سوء استعمالنا لمواقع التواصل الإجتماعي، وهو ما اشارت إليه واقعة "تكوين
جماعات فيسبوكية تخوض معارك عنصرية ومذهبية وقبلية..."، لم أطّلع على نقاشات
المؤتمرين الداخلية، ولعلهم وضعوا تلك الظاهرة في خانة "قلة الأخلاق". ها
أنذا أحاول أن أضعها في خانة الفضيحة "الثقافية - الحضارية" بمقدار ما
يسعفني الفهم، وأقول:
مواقع التواصل الإجتماعي - وأعظمها
شأناً حتى الآن الفيسبوك، على ما تناهى إلي - هي في الأصل إختراع إنسانٍ غربي تحرر
إلى حدٍ بعيد من روابط الإنتماء والتضامن الموروثة (جماعات عرقية أو قومية، طائفية
دينية، منطقة، عشيرة، عائلة...) وإستمتع بفرديته الحرة زمناً طويلاً. هذا التحرر
الفردي عُدَّ شرطاً أو معياراً للحداثة على صعيد فلسفة الإجتماع. ومن هنا نشأت - على
سبيل المثال لا الحصر - احزابٌ سياسية حديثة (حداثية) على قاعدة اختيارات فردية
حرة بدلاً من إنتماءات جماعية ذات اختيارات قسرية. غيرأن هذا الفرد المنتصر، وهو
في عزّ نشوته بإنتصاره، أحسّ بالوحشة ، فإندفع إلى البحث عن روابط تضامن إجتماعي
جديد، أو عن استئناس بالناس، على أساس اختيارات حرّة، من خارج دوائر الإنتماء
القسرية. وقطعاً ليس بهدف إحياء الموروث وإستعادة آليات اشتغاله. ما يفعله بعض
شبابنا اليوم - وهم كثر، لأن بعض الشيء، كما جاء في معاجم اللغة العربية، شطرٌ منه
قلّ أو كثر - هو تسعير العصبيات القديمة بأحدث الوسائل، أي إعادة إنتاج التخلف
بأرقى وسائل الإنتاج. وهم يفعلون ذلك بطرب شديد، أي بخفة شديدة (مرة أخرى تقول
معاجم اللغة: الطرب خفةٌ تعتري المرء من فرحٍ أو حزن)... وهذا ما أحسبه الفضيحة
الثقافية - الحضارية. ولئن كان من وجهٍ أخلاقي في هذه الفضيحة فهو تنكّر مرتكبيها
لمقاصد الإختراع الأصلية... فتأمل أيضاً!
فإذا فرغت من تأملك هذا، تعال
معي إلى ظاهرة فيسبوكية اقترح أن نسميها: "ساندروم التعاظم الفيسبوكي" أو
"الميغالومانيا الفيسبوكية". وسأنقل إليك شيئاً عاينته لدى بعد الشبان
اللبنانيين الأشاوس: شابٌ طموحٌ سياسياً (وهذا شيءٌ مشروع)، أراد أن يُعرف ويصعد
كالصاروخ من خلال اعتراضه على زعامة سياسية معينة (وهذا أيضاً مشروع)، فأخذ يبث
فيسبوكيات تحريضية وتشنيعية ضد تلك الزعامة (غير مشروع)، فانهالت عليه طلبات
الصداقة (الفرينديّة)، كما انهالت عليه "اللايكات" من كل حدبٍ وصوب. بعد
قليل، نظر صاحبنا إلى ما في جعبته فوجد الاف الأصدقاء (عدهم تابعين) ومئات ألوف "اللايكات".
تضخم رأسه، وإرتفع فوق كتفيه حتى إنفصل عنهما، كما لم تعد قدماه على الأرض. هنا
قرر صاحبنا "خروجه الكبير"، في يومٍ معيّن، إلى ساحة معيّنة في المدينة،
إستناداً إلى ما في جعبته من جيش إفتراضي.
تمهيداً لذلك الخروج، جرَّد
حملة فيسبوكية مكثفة (كمباني
campagne) مع بعد أصحابه
وصاحباته، ليكون الخروج مدوياً و"مبكّلاً". وفي هذا السياق التمهيدي حصل
من بعض الجهات السياسية على وعد بإمداده بالبوسطات والفانات لنقل المؤيدين إلى ساحة
التجمّع (بإعتباره قد صار وجهاً لمّيعاً و ربّيحاً)، كما حصل من بعض الطامحين على
مساهمة مالية لقاء اعطائهم "كلمة" في الجماهير المفترضة (بإعتباره قد
صار مرجعيةً ومنصّةً لإطلاق الكفاءات الجديدة).. إلى ما سوى ذلك من "عَ الوعد
يا كموّن !".
في اليوم الموعود حضر صاحبنا مع
أركان حركته إلى المكان المعيّن، وهم يرددون في أنفسهم كلمات يوليوس قيصر: جئتُ،
فنظرتُ، فانتصرت (veni, vidi,
vicci!) و الحال أن الذين
اجتمعوا هناك لم يتجاوزوا الدزّينة من الأنفار، فتشاتموا، وقيل تضاربوا، وانفضَّ
جمعهم بعدما حاولوا إستعادة أموالهم من ال- Boss هكذا وجد
صاحبنا نفسه مضطراً لتجريد حملة فيسبوكية جديدة، انما هذه المرة بمفرده، وتحديداً
لشتم "الرأي العام" الجاحد، والسخيف، وأخو ال...
على سيرة "اللايكات"،
إليك هذه "الشنقولة": ذات يومٍ كنت في غرفة مكتبي، وعندي بعد الشبان
الفيسبوكيين، وآخرون ممن يحبون السياسة والتدخين في كل الأماكن. دخلت سيدة فاضلة
جداً، وجميلة جداً. ألقت بكل فضيلتها وجمالها على مقعدٍ بجانبي، ثمّ لفّت ساقاّ
فوق ساق، وأخذت "تهاجم" سيدة أخرى غائبة، فاضلة وجميلة مثلها، على
آرائها الفيسبوكية "التافهة"، على حد قولها.
الخبر ليس هنا، فما هذا إلا
مزيدٌ من الشيء المعتاد نفسه. الخبر في قول السيدة الأولى: "أكاد أجنُّ يا
جماعة! لقد أتاها من البارحة إلى اليوم أكثر من ثمانين لايك!... مش معقول شو صاير
بهالبلد!" استندت إلى علم الحاضرين بجهلي في هذا المجال، وسألت جارتي ببراءة
الأطفال: "ما معنى هذه اللايكات، وكيف يفعلونها؟". أجابت على وجه السرعة:
"معناها الموافقة على رأيها السخيف، ويفعلها أي واحد منهم بأن يلامس بإصبعه
علامة معينة!". واصلت البراءة والتّغابي، وسألت: "هل يفعلونها بإصبعٍ
معين، أم ماذا؟". اجابت على الفور أيضاً: "كلا! باستطاعتك أن تستخدم أي
إصبع...". وقبل أن تنهي جملتها، وفيما كان الحضور يهمّون بالضحك، انتبهت إلى "الملعوب"
فنعرتني بكوعها!...
تلك حكايتي حكيتُها، وفي عبّكم
حطّيتها...
وبطبيعة الحال لن أخذل الأصدقاء
الذين ورّطوني في هذه "التّعريصة"، انما سيكون تواصلي معهم شخصياً
وحميمياً ... وقد لا أزور "الحائط" في هذه الصفحة إلا مضطراً... وليس
على المضطرّ من حرج !
عن الفايسبوك
!
ليست هناك تعليقات