قد أكون عن غير قصد ولدت في مشفى في رأس بيروت، ولذلك أستحقيت اللقب من أبي. هذا اللقب الذي بقي يطاردني في ذكرياتي فعندما أصر على شيء...
قد أكون عن غير قصد ولدت في
مشفى في رأس بيروت، ولذلك أستحقيت اللقب من أبي. هذا اللقب الذي بقي يطاردني في
ذكرياتي فعندما أصر على شيء ما كان يصيح أبي في وجهي تيّس أبن راس بيروت. مرت
الأيام وطالت الشهور وما زالت التتييسة موجودة في وجداني علماً بأن وهجها قد خف قليلاً
وزخمها قد أنكبح ولكن التناطح والتهاوش للقمة العيش ما زال سمة من سماتي وعلامة من
علاماتي الفارقة.
أذكر يوماً بانه قد دعاني أحد
الرفاق, أو الأخوة أذا صح القول لصلاة العيد في مسجد سليم سلام المحاذي لمنزلنا في
المصيطبة وكان هذا في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي وكنت يومها انتعل حذاء "ريبوك"
أشتريته من المال الذي جنيته من عملي بمبلغ يوازي راتب أبي أو أكثر بقليل فقط لأني
تييست, وبما أن صديقي كان مسروراً بأن هدايتي ستكون على يديه تييست عليه ولكن
ضمنياً. عندما خرجنا من المسجد وجدت بأن أحدهم قد سرق الأسبدرين واختفى ألى الأبد
فتيّست على صديقي وتيّست على أمام المسجد وتيّست على جامع الأحباش وكل المساجد
المجاورة والبعيدة وصولاً ألى الحرم المكّي.
كبرت وكبرت معي التتييسة ولكن
بعد أن أصبحت رب أسرة ومسؤول عنها شعرت بأنه من الواجب علي بأن اكون ديبلوماسياً
في التعاطي مع الآخرين وأكون سلساً ولبقاً وأتخلى عن التتييسة. وهكذا أصبحت لا
أعطي الأمور أكثر من حجمها وأتعاطى مع مشاكلي القصيرة الأمد والطويلة الأمد بحكمة
وروية.
كبرت أكثر حتى تاريخ كتابة هذه
الكلمات التي لا تسمن ولا تغني عن جوع واكتشفت بأن التتييسة هي سمة خاصة يتفرد بها
أبناء مجتمعاتنا وتتخطى التتييسة ألى حدود التجحيش والتنحرة والحمرنة أحياناً فكيف
لمتيّس من المواطنين بأن يظهر علينا ويتحفنا بتتييسته الغرّاء وتجحيشته العصماء
وكلامه الذي لا يعلو فوق كلام زعيمه كلام غير خنوع وخضوع أتباعه الأتيس منه, ولا
أوجه كلامي لشخص محدد بل لكل من يظن بأن الجميع تيوس مستعدون للتناطح مع التيوس
أمثالهم من قطعان خارجية.
ما زلت أبن بيروت ومن رأسها
أيضاً ومذكور هذا على شهادة القيد مذيلاً بتوقيع مختار المحلة...
* مهندس لبناني مقيم في افريقيا
..
ليست هناك تعليقات