Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

من الرقة: عن الذين نحبهم جداً

قلعة عثمانية في محافظة الرقة مهند الفياض إن إدراكنا الراسخ للمقابل يعود للنظرة الأولى، وهي قناعة تكتسب بالعاطفة التي تحكمها المسا...


قلعة عثمانية في محافظة الرقة
مهند الفياض

إن إدراكنا الراسخ للمقابل يعود للنظرة الأولى، وهي قناعة تكتسب بالعاطفة التي تحكمها المساءلة المنطقية. هناك في شوارع محافظة الرقة الشمالية على جرح سورية الجغرافي، التقيت بهم رائحة الأرض وطمي الفرات تعبق بأعطافهم صمود وانتماء. 

شعرت بالقرب منهم فكرياً مذ عانقت وجوههم، شخوص رائعة، وعزيمة راسخة وإيمان صلد، ما يؤهلهم لدخول القلب بلا استئذان . جمال .... أو "أبو العبد" كما يحلو لأبناء المدينة وأقرانه بمناداته، رجل خمسيني يمتلك حيوية عالية، وروح متوثبة بقلب ومظهر شاب. عاد من مغتربه الأمريكي قبل سبع سنوات تاركاً وراءه عقوداً زاخرة من الاغتراب، قضاها على شواطيء نهر الهدسون في نيويورك .. عاد عاشقاً يغني النهر وليالي الشمال ويحلم بأن تكون الرقة منارة لبلاده في كل ما رآه وعاشه هناك.

وفي مقهى الروتانا العتيق وسط سوق الرقة القديم، وخلف واجهة من البلاستيك، حلّت بديلاً عن الزجاج الذي تناثر مرات بفعل البراميل وصواريخ السكود، عين على الشارع المزدحم بالخوف والسؤال وعين أخرى على شاشة التلفاز، يتابع حديث الأخبار، تشغله الهواجس على مساحة الوطن كله، بقدر ما يملؤه التفاؤل عن الغد الآت. يتمتم مبتسماً: القضية لا تحتمل المساومة، البسطاء قاطرة الفرح والغد رغم الجراح والعتم مشرق، ونحن رهبان الانتصار القادم لا محالة. قاطعته مستفهماً: "هل تفكر في الرحيل وسط هذا الموت الأسود، خصوصا وأنت تملك الجنسية الأمريكية؟ يأتي جوابه حاسماً: قطعاً لا، ليس قبل أن أرى علم ثورتنا يرفرف على قاسيون وساحة الأمويين والبرلمان، ليس قبل أن نهدم كل الخيام، ليس قبل أن نشرب كأس الفرح مع جباهنا المعتقلة في الزنازين والظلام، وعندي أحلام أحلم بثورة زراعية في الجزيرة السورية يضاهي دخلها كل دخل بترول العرب أحلم بأن تكون الرقة منطقة تجارية حرة لقربها من تركيا أحلم بأن نحّول موازنات الدفاع للصمود والتصدي للمدارس والجامعات.

تركته ممازحاً بأن ألقاه مجددا وقد استبدلت واجهة البلاستيك بواجهة زجاجية فاخرة دون تساؤلات عن الغارات وأين سقط السكود ورعب اللحظة. خليل ... شاب ثلاثيني متقد الذكاء ضمن نظرات انضباطية محددة الرؤية بشكل دقيق، لا يحبذ التأويلات، يجيد التحليل لمجريات الحدث، وإسقاطه على نبوءات الغد. مع انتصاف الثورة ترك عمله بالخليج مدرساً جامعياً للغة الانكليزية وعاد للوطن ليضع خبراته العلمية إنجاز على الأرض كمستشار لمنظمات إنسانية أجنبية تعتمده خبيراً في جغرافيا الشمال السوري ويستطيع النفاذ بالمشاريع الإنسانية بين فوضى الصراع المسلح .

يرى خليل أن العمل الإنساني في مشاريع خدمية مستدامة هو أفضل الحلول لإقامة تنمية مجتمعية، ويفضله على إهدار الموارد الإغاثية في صراعات الاقتطاعات السريعة وتوزيعها بشكل عبثي لن يكفي الجائع إلا يوم واحد، ولدينا الموروث العريق في البناء يضيف خليل . "إنها ولادة جديدة تشرق من قلب معاناتنا وعلينا أن نتحمّل درب الجلجة والتاريخ سيبرز حكمه يوماً". يغيب خليل مع اتصال هاتفي مع منظمة داعمة لمشاريع الري في أراضي الشمال السوري. وتبقى الفكرة راسخة بعقلي وأنا أجوب بنظراتي وجوه أهل المدينة لأستشف من خلال قسماتهم وملامحهم :
"كل ما اتسعت رقعة الوجع والدمار ..كلما خرجت منها الاوطام وطدة بالقيم الانسانية الحضارية. والتي تجتهد في كل مرة لإقامة البلدان العظيمة .. هنا الشمال السوري ما بين خروج من قبضة النظام . و يوميات مطرزة بألوان الحرب و الدم . و أمل أهليه بالحياة .. و الحياة أكثر

ليست هناك تعليقات