زارتني المرحومة أمي في ليلة ليلاء، وسألتني عن أحوال الدنيا التي اضطرت إلى الرحيل عنها، فقلت لها إن الوصوليين والانتهازيين يصولون ويجولون...
زارتني المرحومة أمي في ليلة ليلاء، وسألتني عن أحوال الدنيا التي اضطرت إلى الرحيل عنها، فقلت لها إن الوصوليين والانتهازيين يصولون ويجولون دونما حاجة إلى أقنعة تخفي وجوههم البشعة مستخدمين علانية شتى الوسائل للفوز بكل ما يعود بالنفع على أشخاصهم بينما تتحلق حول رؤوسهم هالات العباقرة الذين يندر أن يجود الزمان بأمثالهم، وقلت لأمي إن المتملقين هم اليوم أطفال مدللون ومالكو سلعة تلاقي الرواج والاستحسان والتبجيل الكلي، وقلت لأمي إن الأغبياء ينالون المن والسلوى تاركين الجوارب... المرقعة للذين يقولون للخطأ والظلم : لا، وقلت لأمي إن اللصوص يقتحمون الميادين السياسية مختالين كأنهم هم الذين بلغت خيولهم حصون بواتييه، ولا يكفون عن التذمر لأن الشعراء لا ينظمون القصائد التي تمجد تفانيهم في خدمة الشعب، وقلت لأمي إن المزاودين الطبول، إذا جرحوا بشفرة وهم يحلقون ذقونهم، طالبوا بالأوسمة بحجة أنهم أراقوا الدم في سبيل الوطن الغالي، وقلت لأمي إن المهاجرين فكرياً هم أسياد أجلاء يرتجفون حنقاً إذا قارنهم منافق مراهق بغيفارا أو بعمر المختار، ويذمون الزمان العاق الذي يتجاهل مساهماتهم في بناء حضارة إنسانية جديدة، وقلت لأمي إن المتاجرين بالقيم الوطنية والإنسانية يُقدمون بوصفهم منقذي الكرة الأرضية من الفاقة والقمع، وهم الذين تتحدث ألسنتهم بخير ما في الكتب من كلام مؤثر بينما أيديهم تكافح ببطولة لامتلاك السيارات والبنايات والنساء الجميلات والأموال المهربة إلى المصارف الأجنبية، فحملقت أمي إلي كأنها لم ترني من قبل، وتركتني وحيداً في ليال ليلاء.
عن الفايسبوك
ليست هناك تعليقات