في ظل الهجرة غير الشرعية التي تغزو دول الشمال الغني من الجنوب الفقير لأجل حياة أفضل، ليست روسيا بعيدة عن هذه الحال، على رغم عدم وقوع...
في ظل الهجرة غير الشرعية التي تغزو دول الشمال الغني من الجنوب الفقير لأجل حياة أفضل، ليست روسيا بعيدة عن هذه الحال، على رغم عدم وقوعها ضمن الدول المقصودة للهجرة.
تعيش روسيا حالة لم يسبق لها مثيل، ويختلط فيها كل شيء: الاعلام بالسياسة والتطرف .فالإعلام الروسي يشن حرباً ضروساً ضد وفود المهاجرين من اسيا الوسطى والصين. الإعلام بكل وسائله المكتوبة والمرئية والمسموعة والالكترونية يروج للدعاية التي يفرضها اصحاب النظرية القومية، الرافضين لاستقبال المهاجرين من دول كانت حتى الامس القريب تعيش تحت سقف دولة واحدة ربطتهم أفكارها وأحلامها في بناء الغد الافضل. فالقادمون من فقراء دول آسيا الوسطى الى روسيا لا يزالون يشعرون بأن الأخيرة بلدهم الثاني، بسبب علاقتها القديمة مع هذه الدول وشعوبها، اضافة لتكلمهم لغتها ومعرفة ثقافتها التي تساعدهم على تخطي مصاعب الحياة فيها، وبالتالي هم أيدي عاملة رخيصة للسوق الروسية المتعطشة لهم.
والإعلام الذي يتبنى نظرية التعصب القومي والشوفيني ضد الأجانب من خلال دعم المتطرفين الرسمين في البرلمان وخارجه، والذين يحاولون تمرير قانون جديد ضد المهاجرين، وخصوصاً هؤلاء الآسيويين الذين يتهمون بالفساد وترويج المخدرات والممنوعات. ولست هنا بمعرض الدفاع عما يمارسه بعض هؤلاء المهاجرين، ولكن غالبيتهم تأتي إلى روسيا لأنها لا تجد مكاناً لهم ولأطفالهم أفضل منها، في وقت يتعرضون للابتزاز من السلطات الامنية وبعض القيمين على القانون وأرباب العمل، ويُمنع اطفالهم أيضاُ من الالتحاق بالمدارس والروضات، ما يسد أمامهم كل آفاق الحياة.
هنا، يأتي دور الإعلام الذي يحاول أن يكون طرفاً في قضية سياسية وإنسانية ويعكس انطباعاً سيئاً عن طبيعة الشعب الروسي الذي يتميز بالكرم وحسن الضيافة والاستقبال المميز. فالإعلام يُخفي في تغطيته لقضية المهاجرين حاجة روسيا لهم بسبب المشكلة الديموغرافية فيها، ويُغطي حقيقة أنهم الحل لهذا الأزمة ولا سيما أنهم يجيدون اللغة الروسية ويعرفون ثقافة البلاد، وتربط بلادهم بها علاقة وطيدة منذ زمن القياصرة. وروسيا الجديدة تعتبر دولهم نواة أساسية في تشكيل وبناء الاتحاد الأوراسي الذي يساعد روسيا على لعب الدور الريادي على الخريطة السياسية العالمية.
لهذه الأسباب، على الإعلام الذي يتناسى مصالح روسيا ويخدم شهوات المتطرفين والمتعصبين أن يعيد حساباته . ولا يجب أن يكون الاعلام أداة ضد المصلحة القومية، لأن نتائج هذا الطرح اليميني ستكون سلبية على الدولة الروسية وشعبها، لأن هذه السياسة غير المسؤولة ستجعل شعوب هذه الدول تبتعد تدريجياً عن روسيا، في وقت تسعى فيه جاهدة من أجل ربط هذه الدول بمحورها الاوراسي الداعم لها سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً.
خالد ممدوح العزي كاتب وباحث مختص بالإعلام والدعاية
ليست هناك تعليقات