Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

من مال الريع الإقليمي يا محسنين

مهند الحاج علي - موقع "ناو" لطالما تراءى لي توق الجنرال لكرسي الرئاسة، عروساً دائمة، تتمرن على ارتداء فستانها الأبيض د...



مهند الحاج علي - موقع "ناو"

لطالما تراءى لي توق الجنرال لكرسي الرئاسة، عروساً دائمة، تتمرن على ارتداء فستانها الأبيض دون وجود عريس فعلي. وما عزز هذه الصورة، بروز الصُهرين؛ واحدٌ مرشح دائم لوزارة الطاقة، والثاني لقيادة الجيش. اكتمل المشهد الخيالي. يصعد على سلالم قصر بعبدا بفستان زفاف أبيض طويل، ويحمل كل صهر طرفاً من ذيله.

إنه مشهد خيالي لن يتحقق لحسن الحظ. لكنه توقف فجأة خلال الأسبوعين الماضيين، مع انفتاحه على المملكة، مُفسحاً في المجال أمام مشهد آخر. الجنرال صار سندريلا. لا عروس ولا من يحزنون. كان ينزل من على سلالم السفارة الايرانية في بيروت عندما تعثر، فاقداً حذاءه الذهبي. لم يسعفه الكعب العالي، وهو يفرّ خالي الوفاض، فأضاعه. أعاده إليه فارس سعودي، مملوءاً بالجواهر والفرص. 

إنه الريع الإقليمي، ساحر للخيال دون شك. ولبنان بلد احتضن الريع الاقليمي منذ نعومة أظافره، تتدفق عليه في صراعاته الأهلية وأزماته. الريع، كالسبيل، يستلقي أمام "حنفياته" سياسيون وإعلاميون لبنانيون عندما يفتحها أصحابها، يشربون منها ويضجون بالحياة والصراخ... والصراعات.

قبل عام 2005، كان الريع مناصب حكومية توزعها عائلة الأسد الحاكمة على كل الأطراف مقابل ابتكار أوصاف جديدة للحركة التصحيحية وانتصار أكتوبر. لكنها سرعان ما انقسمت الى مستحقين للريع من مصدريه السعودي والايراني، ولاحقاً القطري. وبات لسان حال السياسيين والاعلاميين: "أنفقوا مليارات الدولارات، وخذوا مواقف وطنية وقومية".

أتذكرون ذاك الوزير الآذاري، من تيار "السيادة"، عندما قال لسفير أميركا "نحن كالعاهرات، نتذكّر من يعطينا المال، لا من يبني الجسور"؟ 

رئيس كتلته ذهب أبعد من ذلك، بحسب وثائق "ويكيليكس" المشكورة، ويا ليتها تفتح ملفات إيرانية أو عربية أيضاً. عبّر عن أمله أن تأتي قوافل الريع "محمّلة بالذهب والزمرد". رأينا قافلة "كاش" إيرانية عام ٢٠٠٦ حملها وزير الخارجية منوشهر متقي لتوزيعها مباشرة على "المستحقين" (عهد الديمو-ريعية المباشرة أو أثينا-الريعية في لبنان؟). إذن، المشهد الريعي بدأ يكتمل. عاهرات، وقوافل محمّلة بالذهب والزمرد، وسندريلا على سلالم السفارات، وسبيل ريعي…  

حتى نرسم صورة بلدنا الحقيقية بصراعاته الأبدية، لا بد من إدخال الإعلام في المشهد، وجميعه ريعيٌّ والحمد لله. إنه "المايتركس" اللبناني متكاملاً. على سبيل المال الريعي نفسه، وأمام إحدى حنفياته، رئيس تحرير يكتب رسالة لرئيس سوريا طالباً "٧٠٠ ألف دولار" ثمناً لمواقفه الوطنية. صحيفة قومية عربية تقبض أموالاً إيرانية. مواقع وصحف تتوالى على الأموال القطرية والأميركية والسعودية. زملاء لنا، أكثر شجاعة منّا، أضربوا بعد مقالة ريعية. هكذا صرنا، نحن معشر الصحافيين، كعمال المصانع، أكثر ما يُمكننا أن نحلم به في بلد الحريات الوهمية، هو نقابة!

يستفيق اللبناني صباحاً، يقرأ جريدة أو موقعاً "ريعياً"، ثم يُشغل تلفزيوناً "ريعياً". إذا أراد الفقير الطبابة، يدخل أحد مستشفيات أو مستوصفات الريع الاقليمي. حتى السياحة "ريعية"، تتوقف إذا لم تلبِّ سياسةُ الدولة الشروطَ الريعية. المنح الدراسية "ريعية" أيضاً، وكذا الافطارات والوظائف…

أهلاً بكم في بلد الحريات. والحريات هذه تعني أنّك كلبناني، لك مطلق الحرية أن تفتح أي حنفية ريعية تريد، لكن عليك أن تكون متسوّلاً. وإذا لم تُعجبك هذه الخيارات، تنضم إلى عالم الاغتراب حيث عدد اللبنانيين خمسة أضعاف عدد سكان الداخل، وحيث يُمكنك أن تكون كل شيء إلا لبنانياً باتت بوابة عيشه الوحيد الوقوف أمام السبيل والهتاف: من باب الريع الاقليمي يا محسنين! 

ليست هناك تعليقات